للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما شربُوا حرامًا، لحدَّهم؛ وبلغه عن عامل له بميسان، أنه قال:

* ألا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج، وحنتم

* إذا شئت غنتنى دهاقين قرية، ... وصناجة تشدو على كل ميسم،

* فإن كنت ندمانى، فبالأكبر اسقني، ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم،

* لعل أمير المؤمنين يسوؤه، ... تنادمنا في الجوسق المتهدم

فقال: إي والله، أنه ليسوؤُني ذلك، فَعَزَله، وقال: «والله لا عمل لي عملا أبدًا»، وإنما أنكر عليه المُدَام، وشربه بالكبير، والصنج، والرقص، وشغله باللهو، عما فوض إليه من أمور الرعية، ولو كان ما شرب عنده خمرًا لحدَّه.

محمد بن وضاح، عن سعيد بن نصر، عن يسار عن جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار، وسئل عن النبيذ أحرام هو؟ فقال: أنظر ثمنَ التمرِ من أين هو، ولا تسأل عن النبيذ أحلالٌ هو، أم حرام وعوتب سعيد بن زيد في النبيذ، فقال: أما أنا فلا أدعه حتى يكونَ شر عملي. وقيل لمحمد بن واسع: أتشربُ النبيذ؟ فقال: نعم، فقيل: وكيف تشربه؟ فقال: عند غدائي، وعشائي، وعند ظمئي، قيل: فما تركت منه؟ قال: النكاة، ومحادثة الإِخوان. وقال المأمون: اشرب النبيذ ما استبشعته، فإذا سُهل عليك، فدعه. وإنما أراد به أنه يَسهُلُ على شاربه إذا أخذَ في الإِسكار.

وقيل لسعيد بن أسلم: أتشرب النبيذ؟ فقال: لا، قيل: ولم؟ قال: تركت كثيره، وقليله للناس. وكان سفيان الثوري يشرب النبيذَ الصُّلب الذي تحمرُّ منه وجنَتَاه؛ واحتجوا من جهةِ النَّظر أنَّ الأشياءَ كلها حلال، إلا ما حرَّم الله. قالوا: فلا نُزيلُ نفس الجلال بالاختلاف، ولو كان المحلِّلون فِرقة من الناس، فكيف وهم أكثر الفِرق؛ وأهل الكوفة أجمعوا على التحليل، لا يختلفون فيه، وتلوا قول الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.

حدث إسحاق بن رَاهُويهَ

قال: سمعت وكيعًا، يقول: النبيذ أحلُّ من الماء، وعابه بعض الناس في ذلك، وقالوا: كيف يكون أحلَّ من الماء، وهو وإن كان حلالًا، فهو بمنزلة الماء. وليس على وكيع في هذا الموضِعِ عيبٌ، ولا يرجِعُ عليه فيه كذبٌ، لأن كلمتَه خرجت مخرج كلامِ العربِ في مبالغتهم، كما يقولون: هو أشهرَ من الصبح، وأسرع من البرق، وأبعد من النجم، وأحلى من العسل، وأحر من النار.

ولم يكن أحدٌ من الكوفيين يحرِّمُ النبيذ غير عبد الله بن إدريس، وكان بذلك معيبًا؛ وقيل لابن إدريس: مَنْ خيارُ أهل الكوفة؟ فقال: هؤلاء الذين يشربون النبيذَ، قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>