للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تحفظ دينه والمداهنةُ هو الانبساط، مع ضياع دينه (١).

٦١٣٢ - قوله: (مزرَّرة بالذهب) والزِّر ترجمته "تكمه وكهندى" لا "بتن".

٨٣ - باب لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ.

٦١٣٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ». تحفة ١٣٢٠٥

يعني من شأن المؤمن أنْ لا يلدغَ من جُحر واحد مرتين، فكأنه يكون معتبرًا من الحوادث، لا كالفساق، لا يُبالي بشيء وإن أُفرغت عليه المصائب، وأُقيمت عليه الحدود، ويبتلى بالفتن، فالمؤمن يكون فَطِنًا متيقظًا، يتقي مواضع التُّهم، وإذا ابتُلي مرةً بشر لا يأتيه ثانيًا، حتى لا يكون مطعنًا للناس. وهذا لا ينافي كونه أبله، فإن ترجمته ساده ويقابله جالاك وليست ترجمته بيوقوف فالمؤمن لا يكون خَدَّاعًا (٢).

ويتَّضحُ ما قلنا من النظرِ إلى موردِه أنَّ رجلًا جاء أسيرًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في بدر، ولم تكن عنده فديةٌ، فاستحق القتلَ، فتحيَّر وجَزِع، وقال: إنَّ لي صبية، ليس لهم قيمٌ غيري، فأحسن إليَّ، أحسن اللهُ إليك، فتركه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وعفا عنه. فلما رجع إلى مكة، نكث على عقبيه، وجعل يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فاتفق أن أسر في غزوةٍ أُخرى، فأمر بالقتل، فجعلَ يَجزَع، ويسألُ العفو، وحينئذٍ قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «لا يلدغ المؤمن» ... إلخ.

٨٤ - باب حَقِّ الضَّيْفِ

٦١٣٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ


(١) قلت: وقد تعرض الشاه عبد العزيز إلى الفرق بينهما، ذيل قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩] فأجاد، وحاصله يرجع إلى ما ذكره الشيخ عن القاضي، إلا أن تعبيره -على ما أتذكر- أن المداراة هي المسامحة في الأمور البينية، والمداهنة هي المساهلة في الأمور الدينية، فإن الإِغضاء والإِغماض في أمور الدين يُشعر بتساهلٍ في الدين، والسماحة في أمر نفسه، تدل على كرمه، وسعة صدره، وشتان بين مشرق ومغرب.
(٢) قلت: وعند الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: "المؤمن غِرٌ كريمٌ، والفاجر خِبٌّ لئيم": ص ١٨ - ج ٢، وشرحه كما في "اللمعات" إن المؤمنَ ينخدعُ لانقياده ولينه، وهو ضد الخب، أي لم يجرب الأمور، فهو سليم الصدرِ، وحَسنُ الظنِّ بالناس، يريد به أن المؤمنَ المحمودَ من طبعه الغَرَارة، وقلة الفِطنة للشر، وترك البحث عنه. وليس ذلك جهلًا منه، ولكنه كرمٌ، وحُسن خُلق، كما يدل عليه قوله: "كريم"، وَصَفَه بالكرم، ولكن الجاهل هو الذي لا يعرف أنَّه ينخدعُ لكرمه، مع علمه بخداعه، وفسادِ طويته، فاعلمه. كيف! وأنه ينظر بنور الله، ولا أحد أعقل، وأفرس من العبد المؤمن، فإنَّ الكيِّسَ من دَان نفسَه. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>