للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

معنى بنفسه، بخلاف حَوْقَل وسَبْحَل، فإنه لا معنى له في نفسه، فوجب أن يُجعل قصرًا من الجملة، بخلاف كبّر، فإنه موضوعٌ ومفيدٌ لمعنى بنفسه، ولا ضرورةُ فيه إلى أخذه من الجملة.

والوجه فيه عندي أنه مأخوذ من جزء الجملة أي من أكبر في قوله: الله أكبر، وليس مأخوذًا من الجملة كمجرب ومرغن، وملبب (بالأردية)، بخلاف حَوْقَل، فإنه مأخوذ من مجموع جملة: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا بد. وإذا اتضح الفرق بينهما فالأولى أن يُفَرَّق في التسمية أيضًا ويُسمَّى مثل سَبْحَل نحتًا، لكونه منحوتًا من الجملة. ويسمى مثل كَبَّر وسَبَّح قصرًا لكونه مأخوذًا من جزئها، فإن سبح مأخوذ من سبحان في قوله: سبحان الله. فالخطأ إنما هو ممن سمى الأخذ من مجموع الجملة قصرًا، مع أنه ينبغي أن يسمى بالنحت، وهذا بالقصر.

ثم اعلم أنه لا بد في التفعيل من ذكر المفعول، بخلاف النحت. فإن المفعول يدخل في نفس مفهومه، فسبَّح يحتاج إليه، بخلاف سَبْحَل، فإنه صار لازمًا واستغنى بمفعولٍ في معناه عن ذكر مفعول آخر.

وإذ قد علمتَ: أن القصر ما يكون مأخوذًا من جزء الجملة لا من مجموع الجملة، لم يبق دليل في قوله كَبَّر على خصوص الصيغة، وصار معناه مطلق التعظيم. وكذا جاز لك أن تقول: معنى قوله {وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] ولتُعَظِّموا الله على ما هداكم، ومع هذا لا أُغَيِّر المسألة ولا أدَّعي أن المأمور به مطلقُ التعظيم بأي صيغة كان. وإنما تكلمتُ في تحقق المدلول وبيان اللغة فقط، مع بقاء المسألة بحالها، فإن اللفظ وإن صار صالحًا للعموم، إلا أن التعامل قد تواتر على صيغة الله أكبر قُبَيل الصلاة، وفي العيدين. ولم يَرِد في العمل غيرُهُ، والتعامل هو الفاصل في تعيين المراد عندي. فينبغي أن يُترك وجوب الصيغة وسُنِّيتَها تحت مراحل الاجتهاد، فإنه لا بحث لنا في العمل، لأن الحنفية كافة لا يشرعون صلواتهم إلا بتلك الصيغة، وإنما البحث في الأنظار فقط، فَلْيَكِلْهُ إلى الاجتهاد لا سيما إذا اختار ابن الهُمَام رحمه الله وجوبَهَا. ونُقِل عن الإمام الأعظم أنَّ مَنْ ترك التكبير، أي الصيغة المخصوصة، فقد أساء، فماذا بعده إلا الجدال. وسيجيء للمسألة أشياء أُخَر في موضعه.

ثم إن قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} إشارة إلى الصلاة، وقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ} إشارة إلى اشتراط الطهارة، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قالوا: أي الأصنام فاهجر. قلت: وعلى هذا لا يبقى له تعلق بمسألة الصلاة إلا أن يقال معناه: استمر على هجر الأصنام عند الصلاة وغيرها. ويكون المطلوب ههنا من الأمر هو دوام الهجران لا نفس الفعل. كما قرروا في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ}، والأَولى أن يُجْعل إشارة إلى طهارة المكان. كما أن الجملة الأُولى إشارة إلى طهارة الثياب، فتتعلق الجملتان بالصلاة، ويتسق النظم.

تنبيه: واعلم أن الصلاة فريضةٌ عندي من أول أمر النبوة، نعم ما زالت تتحول صفاتها من حال إلى حال إلى أن آل الأمر إلى الخمس ليلة المعراج. ومعنى فرضية الخَمْس فيها بيان عدد المجموع مما فُرِض فيها مع ما قبلها. ثم أُمِدَّ بصلاة هي خير من خُمْر النَّعَم. وإذًا لا تأويل عندي في الآيات التي ذُكِرَت فيها الصلاتان فقط، كقوله تعالى: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>