للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحبل، كيف هو؟ ومن أين هو؟ والعجبُ من الحافظ أنَّه أجاب به المالكيةَ ههنا، ونسيه، أو تناساه في مسألة ثبوت النسب في المشرقية والغربي.

وقد مرَّ مفصَّلًا: أن الحنفيةَ لم يقولوا في مسألة المشرقية إلَّا عينَ ما قاله الحافظُ (١) في مقابلة المالكية في تلك المسألة.

أمَّا الجوابُ (٢) عمَّا في الحديث: أنَّ الحَبَلَ، وإن لم يكن سببًا مستقلاًّ للرجم، إلَّا أنَّه سببٌ في الجملة، لأنَّ الحديثَ لا ينقطع عن الحبل إلَّا بعد تساؤل الناس، وتحادثِهم عنه، فإِمَّا أن ينتهيَ الأمرُ إلى الاعتراف، أو البينة. فالسببُ انتهاءً هو هذان. نعم، قد يسبقهما حبلٌ، فيصيرُ كالسبب البعيد للرجم، فعدَّه سببًا مستقلاًّ.

٦٨٣٠ - قوله: (فلمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ) ... إلخ. فيه دليلٌ على تعدُّد المؤذِّنين في عهد عمر، فحكمُ البِدْعَةِ على أذان الجوق، شطط، أما تعدد الأذان في الجمعة، فقد ثبت عن عثمان ثبوتًا فاشيًا، غير أن المصنف لم يضع في كتابه ترجمة على أذان الجوق.


(١) قلتُ: وراجعتُ "الفتح" من هذا الموضع، فلم أجده فيه. والذي وجدتُه فيه ما يُقَارِبُه في المعنى. قال الحافظُ في استدلال المالكية ما حاصلُه: إنَّ الرجمَ بالحبل مقتضى قياس الدلالة، فإنَّه إذا ظهر بها الحبلُ، ولم يَسْبِقْه سببٌ جائزٌ يُعْلَمُ قطعًا أنه من حرام، كالدخان من النار ثم نقل عن الباجي استنباطًا، أن من وَطِىء في غير الفرج، فدخل ماؤه فيه، فادَّعت المرأةُ أنَّ الولدَ منه، لا يُقْبَلُ، ولا يُلْحَقُ به، إذا لم يعترف به، لأنَّه لو لَحِقَ به لَمَا وجب الرجمُ على حبلى، لجواز مثل ذلك. وعَكَسَه غيرُه، فقال: هذا يقتضي أن لا يَجِبَ على الحبلى بمجرد الحبل حدٌّ، لاحتمال مثل هذه الشبهة، وهو قولُ الجمهور. اهـ.
قلتُ: ولعلَّ الشيخَ أراد هذه الشبهة، فإنَّ ثبوتَ النسب مع عدم الوطء ممكنٌ في بعض الصور، عند الحنفية. وقد استبعده بعضهم، مع قيام البَكَارَةِ. فإذا جوَّزه الحافظ ههنا بدخول الماء بدون جِمَاعٍ في الفرج، فهكذا فليجوِّزه في الباكرة، فلينظر.
(٢) قلتُ: ولعلَّ هذا الجوابَ يؤوَّلُ إلى ما أجاب به الطحاويُّ، كما في "الفتح". قال الطحاويُّ: إنَّ المستفادَ من قول عمر: "الرجمُ حقٌّ على من زنى"، أنَّ الحبلَ إذا كان من زنا، وجب فيه الرجمُ، وهو كذلك. ولكن لا بدَّ من ثبوت كونه من زنا، ولا تُرْجَمُ بمجرد الحبل، مع قيام الاحتمال فيه، لأنَّ عمرَ لمَّا أُتِي بالمرأة الحبلى -إشارةً إلى قضية أخرى ذكرها الحافظُ- وقالوا: إنَّها زنت، وهي تبكي. فسألها ما يُبْكيِكِ؟ فأخبرت أن رجلًا رَكِبَهَا، وهي نائمةٌ فدَرَأَ عنها الحدَّ بذلك اهـ.
يريدُ أنَّ فيه دليلًا على أن الحبلَ مطلقًا لا يُوجِبُ الحدّ، بل إذا ثبت كونه من زنا. وأورد عليه الحافظُ، وقال: إنَّه لا يخفى تكلُّفه، فإنَّ عمرَ قَابَلَ الحبلَ بالاعتراف. وقسيمُ الشيء لا يكون قسَمَهُ اهـ. قلت: ورحم اللهُ الحافظَ، حيث لا يَترُكُ الطحاويَّ إلَّا بالتعقُّب عليه فيما وافقه فيه أيضًا، مع أن الطحاوي كان أحقَّ بأن يَشْكُرَ له بِجَذرِ القلب، فإنه أخرج سبيلًا لنا وله، حيث ذكر وجه التفصِّي عن قول عمر. إلَّا أنَّ اللهَ تعالى قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] ومن أصدق من الله قيلا.
أمَّا إيرادُ الحافظ، فيندفعُ ممَّا ذكره الشيخ، بأن الحبلَ أيضًا سببٌ، كأخويه، إلَّا أنَّه سببٌ بعيدٌ. والبينة، والاعترافُ سببان قريبان. وغفر اللهُ لشيخي، ونضَّر وجهَهُ يوم القيامة، حيث كان يقرِّرَّ الكلامَ بما يكون، ناظرًا إلى ما أورده القومُ في المقام. ولذا لا أحبُّ أن أغيِّرَ في كلامه شيئًا لأنَّ الغافلَ الجاهلَ مثلي، لا يدري مرامي الشيخ. فافهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>