للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= في البَسِيط، ولأَنَّه هو المفهوم، لأنَّه جعل جَزاءً للشرط، فيفيد أَنَّ الواقعَ هذا فقط، فلو ثبت مَعَهُ شيء آخر -كان شبهة معارِضة، لا مثبتةً- لَمَا سكت عنه في الكتاب، وهو الزيادة الممنوعة، وأمَّا ما يفيدُ كلامَ بعضِهم أَن الزيادةَ بخبَر الواحدِ إثباتُ ما لم يُوجِبْهُ القرآن، وذلك لا يمتنع، وإلا بَطَلت أكثرُ السُّنَنَ، وأَنَّها ليست نَسخًا، وتسميتُها نسخًا مجردُ اصطلاحٍ، ولذا زيد في عدة المُتَوفَى عنها زوجها الإِحداد على المأمور به في القرآن، وهو التربُص، فهو يُفيدُ عدم معرفة الاصطلاحِ، وذلك لأنَّه ليسَ المرادُ مِنَ الزِّيادةِ إثباتُ ما لم يُثبِتهُ القرآن، ولم يَنفِهِ، لا يقول بهذا عاقل، فضلًا عن عالم، بل تقييد مطلَقِهِ على ما عُرِفَ مِنْ أَنَّ الإطلاقَ مما يُراد، وقد دَلَّ عليه باللفظ المُطْلَقِ، وباللفظ يُفَادُ المعنى، فأفاد أَنَّ الإِطلاقَ مُرَادٌ، وبالتقييدِ يَنتَفي حُكمُه عَنْ بَعضِ ما أثبتَه فيه اللفظُ المطلق، ثمَّ لا شَكَّ أَنَّ هذا نَسخٌ، وبخَبَرِ الواحدِ لا يجوزُ نسخ الكتاب، وظنُّ المعترض -أَنَّ الإِحدادَ زيادةُ- غلطٌ، لأنَّه ليس تقييدًا للتَّرَبُص، وإلا لو تربصت، ولم تَحدَّ في تَرَبُّصِها، حتى انقَضَتْ العِدة، لم تَخرُج عن العُهدةِ، وليس كذلك، بل تكونُ عاصيةً بتركِ واجبٍ في العِدة، فإنَّما أَثبَت الحديثُ واجبًا، لا أَنَّه قَيَّدَ مُطلَقُ الكتاب.
ثُمَّ تعرَّضَ الشيخُ ابن الهُمام إلى أَنَّ في نفي المَرْأَةِ عَرْضُها للفتنة، وأَخرَجَ عن عبدِ الرزاق، و"كتاب الآثار" لمُحمد ابنِ الحسن عن عليٌّ قال: "حَسْبُهِما مِن الفتنةِ أَنْ يُنفيا"، وعَنْ محمد بسَنَدِهِ عَنْ إبراهيمَ النَّخَعِي، قال: "كفى بالنَّفي فتنة". ورَوَى عبدُ الرَّزاق عن ابن المُسَيَّب، قال: غَرَّبَ عُمر رَبيعةَ بنُ أُمية بنِ خَلَف في الشَّرَاب إلى خيْرَ، فَلَحِقَ بِهرَقْل، فَتَنَصَّرَ، فقال عمر: "لا أُغَرِّبُ بعدَهُ مسلمًا".
ثُمَّ تعرَّضَ الشيخ إلى أَنَّه ثابتٌ عَنْ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَمْ لا؟ فقال بعدما تَكَلَّم على الرُّوايات مِنْ هذا الباب: والحاصل أَنَّ في ثُبوتِه عنه - صلى الله عليه وسلم - اختلافًا عَنْ الحُفَّاظ، وأَمَّا عن أبي بكر وعمر فلا اختلاف فيه. وقد أَخرَج ذلك عنهما أيضًا في "الموطأ" وأَمَّا روايتُه عن عثمانَ، ففي -مُصَنَّف ابنِ أبي شَيبَةَ- عن ابنِ يَسَار مولى لعُثمان، قال: "جَلَدَ عثمانُ امرأةً في زنا، ثُمَّ أَرْسَلَ بها مولى لهُ يُقالُ له: المهري، إلى خَيْبَر نفاها إليه". فهذا التغريبُ المَرْوي عَمَّنْ ذَكَرْنَا، كَتَغْرِيبِ عُمرُ نَصْرَ بنَ حجاجٍ وغيرَهُ، بِسَبَبِ أنَّهُ لجَمالِه افْتَتَنَ بهِ بعضُ النَّساءِ، حتى سَمِعَ قولَ قائلةٍ:
هل مِنْ سبيلٍ إلى خَمْرٍ، فأشْربُها ... أوْ مِنْ سَبيلٍ إلى نَصرِ بنِ حجاجِ،
إلى فتى ماجد الأعرافِ مُقْتَبَل، ... سهلُ المُحَيَّا، كريمٌ، غيرَ ملجاجِ؟
ومثل هذا، أو ما هو قريبٌ منه، هو الذي يَنْبَغي أَنْ يَقَعَ عليه رأي القاضي في التغريبِ -أي إذا كان الرجلُ حَيِيَاً كَرِيمًا، وإِنَّما ذُلَّ ذُلةً لِغَلَبةِ النَّفس، فَزَنى- أمَّا مَنْ لم يَسْتَحِ، وله حالٌ يشهدُ عليه بغلبةِ النَّفس، فنفيُه لا شَكَّ أَنَّه يُوسِّعُ طُرُقَ الفَساد، ويسهلها عليه. انتهى بغايةِ اختصارٍ، مَعَ حَذْفِ الأسانيد، وحَذفِ حَرْفٍ، أو حَرْفَيْن مِنْ آخرِ السَّطْر.
قال العلامةُ المارديني: وهو كنفي الإِمامُ أهلَ الدَّعارَةِ، وكنفيهِ عليه الصلاة والسلام، وفيما ذَكَرَهُ البيهقيُ -في باب مَنْ قَتَل- أنه عليه الصلاة والسلام نَفَى الذي قَتَلَ عَبدَهُ سنةً. ولمَّا لم يَكُنْ في حَدِّ القَذْفِ والخَمْرِ تغريب، دلَّ على أنَّه تأديبٌ لهُ لدَعَارَتِه، اهـ مختصرًا: ص ١٧٤ - ج ٢.
قلتُ: وقد وَجَدْتُ له نظيرًا آخر عند أبي داود عَنْ أبي هريرة، قال: "أُتِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمُخَنَّثٍ قد خضَبَ يَدَيهِ ورِجْلَيهِ بالحِنَّاءِ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما بالُ هذا؟ قال: يَتَشَبَّهُ بالنِّساءِ، فَأَمَر بِهِ. فنُفِيَ إلى البَقيع ... " إلخ، وإِذْ قد وَجَدْنَا هذا البابَ في غير بابِ الزنا أيضًا، فَغَرَّبَ عُمر في الخَمْرِ، كما ذَكَرهُ الشيخُ ابنُ الهُمَامِ. وَغَرَّبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ قَتَلَ عَبَدَهُ، كما ذَكَرَهُ البيهقي. ونَفَى المُحَنَّثُ، كمَا عند أبي داود. عَلِمْنَا أنه لا خُصُوصِية لهُ مِنْ باب الزنا، وإنَّما هو مِنْ بابِ التَّعزيرِ، ولمَّا كان الزنَا أشَدُّ، كان التعزيرُ فيه أَلزَم. وراجع معه العَيني: ص ٤١٠ - ج ٦ فقد زَادَ أشياء، وأجادَ، والله تعالى أعلمُ بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>