للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جاءَ مخالفًا للأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، والسُّنَنِ القائِمَةِ، كحديثِ: «البينةُ على المُدَّعي، واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ». فكما يَقْضي للمُدَّعي إذا أَقَامَ البيِّنَةَ، فكذا يَقْضي على المُدَّعى عليه إذا أَبَى اليمينَ، ولا تُرَدُّ على المُدَّعي، ولا يُكَلَّفُ بما لم يَجْعَلْهُ عليه الصَّلاة والسَّلام. وقَدْ قَضَى عثمانُ بنُ عفان، وأبو موسى الأَشْعَري، وغيرُهما مِنَ الصحابة رضي الله تعالى عنهم بإِباءِ اليمينِ، فإنْ احتجَّ الشافعيُّ في رَدِّها بحديثِ القَسَامةِ يُقال: أعنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ القَسَامَةَ مخالفة لغَيْرِها، وقد رَدَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فيها من المُدَّعين إلى المُدَّعى عليهم، وعندَكَ في غيرِها: لا يَحْلِفُ المُدَّعي، إلا إذا أَبَى المُدَّعَى عليه، فكيفَ احتججتَ بها فيما لا يُشْبِهُهَا بِزَعْمِكَ؟ وكما لا يجوزُ أَنْ يَقْضي للمُدَّعي بلا بَيِنَةٍ إذا حَلَفَ خمسينَ يمينًا قياسًا على القَسَامَة، فكذَا في رَدِّ اليمينِ. وهذا مُلَخَّصٌ مِنْ كلامِ عيسى بن أَبَان في «كتاب الحج».

- قوله: (ولم يُقِدْ بها مُعَاوِيةُ) خلافًا لمالكٍ، فإنَّه يُوجِبُ فيها القِصَاص.

- قوله: (وكَتَبَ عُمَرُ بن عبد العزيز .... : إنْ وَجَدَ أَصْحَابُه بَيِّنَةً، وإلَّا فَلَا تَظْلِم) وليس فيه تصريحٌ بأَخْذِ الدِّية، وعَدَمِهِ أيضًا.

٦٨٩٨ - قوله: (فَقَالَ لهم: تَأْتُونَ بالبَيِّنَةِ على مَنْ قَتَلَهُ؟ قالوا: ما لنا بَيِّنَةٌ، قال: فَيَحْلِفُونَ) وهذا بعينِهِ ما قاله الحنفيةُ مِنْ أَنَّ البينةَ على المُدَّعي، واليمينَ على مَنْ أَنْكَرَ: ثُمَّ أَخْرَجَ البخاريُّ فيه مناظَرَةً بين أبي قِلَابة، وعَنْبَسَة بحضْرَةِ عمرَ بنَ عبدِ العزيز، وحَجَّ فيها أبو قِلابَة عَنْبَسَةَ، واسْتَحْسَنَ الحاضِرُونَ أيضًا كلام أبي قِلابَة، ولمَّا رآهُ النَّاسُ موافقًا لأبي حنيفةَ جعلوا يَقْدَحُونَ فيه، فمِنْ قَائِلٍ: إنَّهُ لم يَكُن فقيهًا، ومِنْ قائِلٍ: إنَّه كان بَلِيدًا (سيدهى)، ولا حَوْلَ ولا قُوةَ إلا باللَّهِ، نعم إِنَّه كان رجلًا رأى مَنْ رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّم فإِذا خَالَفَكُم، فإِذا أَنْتُم تَرْمُونَهُ بما ليس لكُمْ به حقٌّ، فصبرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المستعانُ على ما تَصِفُونَ، ثُمَّ ليُعْلَم أَنَّ الراوي قد وَهِمَ في سَرْدِ القِصَّة، فإِنَّها كانت في خَيْبَرَ، فجعَلَها مِنْ أَدْنَى المدينة، ثُمَّ أَخْرَجَ البخاريُّ قِصةً أُخْرَى في الجاهلية.

قوله: (وقد كانت هُذيل خَلَعوا خَلِيعًا) أي أَخْرَجُوه عن مُخَالفتهم، فقُتِلَ هذا الخلِيع، فادَّعَى الخالِعُون بعد الإِسلامِ بدَمِهِ، فاعْتَذَرَ المُدَّعَى عليهم أَنَّ هؤلاءِ كانوا خَلَعُوه، ونَقَضُوا حِلْفَهُم فليس لهم في حقّ، فَرُفِعَ الأمرُ إلى عُمْرَ، فَحَكَمَ فيهم: «أَنَّه لو حَلَفْتُم خمسون مِنْكُم أَنَّكم لم تخلَعُوه يُسمع دعواكم ... » إلى آخر القصة، فتلك الأَيمان كانت في سِلْسِلة القَسَامة، ومتعلقاتِها، لإِثبَاتِ نَفْسِ المُخَالعة، فهذه غير ما يُؤخَذُ بها في القسَامة.

ولنشرح الآن بعض الألفاظ من قِصَةِ أبي قِلابَة:

<<  <  ج: ص:  >  >>