للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه أَنْ يَشْرَبَ الخَمْرَ، وذلك لأنَّ حَقْنَ دَمِ امْرِىءٍ، مُسْلِمٍ فَرِيضة، ولَكِنَّهُ بابٌ آخر، والبخاريُّ لمَّا عدَّ كله مِنْ وَادٍ واحدٍ، فَجَعَلَ الإِكْرَاه على نفسِهِ وأقارِبه، والإِكْرَاهَ على الغيرِ، والبعيدِ مِنْ أقارِبِه، والتَّسَابُبِ كُلَّه مِنْ بابٍ واحدٍ، فَوَقع فيما وَقَعَ، ولو تَنَبَه على هذا الفَرْقِ لَمَا تَقَدَّمَ إلى مِثْلِ هذِهِ الإِيرَادَاتِ. ورَاجِع أَقْسَامَ الإِكْرَاهِ، وأحكامِه مِنَ «الهِدَايةِ».

- قوله: ({إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]) وهذا الإِكْرَاهُ بإِجْرَاءِ كلمةِ الكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّ في فُقْهِنَا تفصيلًا بأَنَّ فِعْلَ المُكْرَهَ عليه قَدْ يَكُونُ عزيمةً، وقد يكونُ رخصةً، فالعزيمةُ في مسألةِ إِجْرَاءِ كلمةُ الكُفْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عنه، ويَسْمَحَ بنفْسِهِ، والأَوْلَى في شُرْبِ الخَمْر أَنْ يَشْرَبَهُ، ويُنْقِذَ نَفْسَهُ، وذلك لأنَّ حُرْمَةَ إِجْرَاءِ كلمةِ الكُفْرِ بَدِيهي، ولم تَزلْ تلكَ الكلمةُ حَرَامًّف مِنْ لَدُنْ آدمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى يومِنَا، بخلافِ شربِ الخمرِ فإنَّه وإِنْ كان حَرَامًا أيضًا، إلا أَنَّه كان حلالًا في زمانٍ، ثم نُسخ، فسُومِحَ فيه بشربِ الخَمْرِ عندَ الإِكْرَاهِ.

- قوله: (والمُكْرَهُ لا يَكُونُ إلَّا مُسْتَضْعَفًا) ... إلخ، وهذه مقدمةٌ للتنبيهِ على أَنَّ المُكْرَه - بالفتح - ليس إلا من ضعَّفَه المكرِه -بالكسر-.

- قوله: (وقال الحَسَنُ) ... إلخ، يريدُ أَنَّ تَحْصِلَ التُقَاة باقٍ إلى يومِ القيامةِ، وليس مختصًا بعهدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم.

- قوله: (وقال ابنُ عبَّاسٍ، فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ، فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ) قلنا: إِنَّ طلاق المُكْره واقعٌ، فإِنَّ الإِكْرَاه يَعْدِمُ الرِّضاء دُونَ الاخْتِيَار.

- قوله: (وبه قال ابنُ عُمَرَ) ... إلخ، قلنا: قَدْ ذَهَبَ غيرُ واحدٍ مِنَ العلماءِ إلى ما ذَهَبَ إليه الإِمامُ الهُمامُ أيضًا (١).

- قوله: (الأعمالُ بالنِّيَّةِ) وقد بَسَطَنَا الكلامَ فيه في أَوَّلِ الكتابِ، وأَنَّه لا تُعلقَ له بموضِع النِّزَاعِ.

١ - باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ

٦٩٤١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا


(١) وفي -"البِنَايةِ"- وعمدةِ القاري: "أَنَّ مَذْهَبَنَا مذهب عمر، وعليٍّ، وعبد الله بن عمر، وبه قال الشَّعْبيُ، وابنُ جُبَيْرٍ، والنَّخَعي، والزُّهْرِي، وسعيدُ بنُ المسَيَّب، وشُرَيْحٍ القاضي، وأبو قِلابَةَ، وقَتَادَةُ، والثوريُّ رحمهُ الله تعالى عليهم أجمعين، وقدْ ذَكَرْنَاهُ فيما مَرَّ مَبْسُوطًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>