للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- قوله: (قَالَ النَّخَخِيُّ: إذا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا) ... إلخ، ولم يَجِدْ الحافظُ تَخْرِيجَهُ إلا «من كتاب الآثار، لمحمد، فلينظر الناظر أَنَّ تعليقَ البُخَاري لو توقف إسنادُه على كتاب، ولم يُوجدْ في غيرِه، فهل يَصْلُح له أَنْ يُقال: إِنَّهُ على شَرْطِ البُخَاري أَوْ لا؟ ولَمَّا لَمْ يَكُن لهذا التَّعليقِ طريق، إلا كان محمدُ بنُ الحسنِ واقعًا فيه، ساغَ لنا أَنْ نقول: إِنَّه مِنْ رِجَال البُخاري، وإنْ كان شَأْنُه في الواقعِ أَعْلَى مِنْ هذا، عند مَنْ يَعْرِفُه.

...


= ومِنْ ههُنا علمتَ أَنَّ تَقْرِيرَ المُناقَضةِ من البُخاري، إِنَّما يَتأتَى على حُكْمِ الاستحسانِ في بابِ البيعِ، أمَّا في القياس، فحكْمُه كحُكْمِ شُرْبِ الخَمْرِ مِنْ عَدَمِ اعتبار الإِكرَاهِ في البَابَيْنِ، وإذْ قد قُلْنا بعبْرَةِ الإِكرَاهِ، في نحوِ البيعِ استحسانًا، فَقَدْ وافَقْنَا البُخَاري في دائرةِ العَمَلِ، لأَنَّ كونَ القياسِ فيه عدمُ اعتبارِهِ عِنْدَنَا نظرٌ فقط، أَمَّا ما ظهر في العملِ فهو حكْمُ الاستحسانِ، وقد استَوَيْنَا فيه حَذْو المِثْقَالِ بالمثقالِ، فأيُّ إيرادٍ بَعْدَه، وأيُّ قَلَقٍ؟.
وقد ظهر لك الجوابُ عمَّا أَوْرَدَهُ البُخَاريّ ممَّا فَصَّلْنَا لكَ مِنْ مَذْهَبِ الإِمامِ الهُمَامِ، فلا نَطولُ الكلامَ بذكرهِ؛ وفي تقريرٍ مِنْ شيخِ الهند رحمه الله تعالى عندي، أَنَّ ما احتجَّ به البُخاري -مِنْ قَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمُ أخُ المسلم"- بعد الإِمعانِ، حجةٌ لنا، فإِنَّ المكْرَهِ إذا بَاعَ مالَهُ، وأَنْقَذَ أَخَاهُ مِنَ القَتْلِ، فقد أعَانَ أخاهُ المُسْلمِ أَلْبَتَةَ، حيث رضيَ بإِضْرَارِ نَفْسِهِ، وآثَرَهُ على ضَرَرِ أخِيِهِ، بخلافِ ما إذا قُلنا: إنَّ بَيْعَهُ غيرُ معتبرٍ، فإنَّه بالبيعِ على هذا التَّقْدير لم يَتَحَمَّل ضررًا على نفسِهِ، فإِنَّ ماله بَعْدَ زَوَالِ الإِكرَاهِ، يَرْجِعُ إلى مِلكه فلم يتَضَرَّر بشيءٍ، والأخوة في الإِعانة مع الرِّضاء بالتَّضَرُّرِ، أَظهَرُ منها بدونِه، وحينئذٍ فالحديثُ أصدقُ على مَذْهَبِنَا، واللهُ تعالى أعلمُ بالصَّوابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>