للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتوجه إلى إثباتِ كَذِبِ أحدِهِما، بل فَرَّقَ بينهما، ورآه تَفْريقًا في الوَاقِعِ، وإلا لَزِمَ أَنْ يكونَ حق الرجل باقيًا في تلكَ المرأَةِ بعد قضائِه صلى الله عليه وسلّم أيضًا، فافهم.

قلتُ: ولي فيهِ نَظَرٌ مَرَّ، فَتَذَكَّرْهُ، وإِنْ صحَّ قيامُ الطحاوي، فأقولُ: إِنَّ للفسخِ عند علمائِهم صُوَرًا أُخْرَى أيضًا، فقالوا بالتَّفريق في صورةِ إِعْسَارِ الزوجِ، ولا دَليلَ عليه عندَهُم غيرَ ما نقلوهُ عن سعيد بن المسَيَّب، ولا شيءَ له في المرفوعِ، ولا عنِ السَّلفِ، وكذا قالوا به في العيوب الخَمسةِ في الزوج، فالعجبُ أَنَّهم ضَيَّقُوا في العقودِ، حتى طَعَنُوا على مَنْ قال بها، ووسَّعُوا في الفُسوخ أزيدَ منَّا، فقالوا بنفاذِهَا ظاهِرًا وباطِنًا.

ثمَّ إِنَّ الشامي سها في الردِّ على مَنْ قال: إِنَّ القضاءَ مثبتٌ، واخْتَارَ أَنَّه مُظْهِرٌ، قلتُ: فيه جهتانِ: جهةُ الإِثباتِ، وجهةُ الإِظهارِ، فَقَضاؤُه مثبتٌ أيضًا، إلا أَنَّ الحنفيةَ احتاطوا في الحُدُودِ، وقصرُوه في العقودِ والفسوخِ، وذلك أيضًا بشرائِطَ، ولذا أَقُول: إِنَّ صاحبَ «الهدايةِ» لو أَتَى بلفظِا لأموالِ، بدلَ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فكان أحسن، لدَلالتِه على خِفَّةِ أمرِ الأَمْوَالِ بالنِّسبةِ إلى الحدودِ، إلا أَنَّ مِنَ اوالِ ما كان يَدْخُلُ تحتَ العقودِ والفسوخِ، فأَدْرَجَها فيها، وَوَضَع لفظ: الأملاكِ المرسلةِ بَدَلَها، ويَدُلَّك على ما قلنا ما ذَكَرَهُ صاحبِ «الهداية»: أَنَّ تَصَرُّفاتِ الصبي إذا لَحِقَهُ القضاءُ يصيرُ مُحْكمًا، لأنَّ فيها ضَعْفًا، فإِذا لَحِقَهُ القضاءُ زال، وما ذلك إلا أَنَّه اعتُبِرَ فيه جهةُ الأثباتِ، والله تعالى أعلم بالصواب (١).

فإن قلتَ: إِنَّ قوله صلى الله عليه وسلّم «لعل بعضَكم» أَنْ يكونَ ألحنَ بحجتِه من بعض، فأَقْضِي له على نحو ما سَمِعَ، فمن قَضَيْتُ له مِن أخيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذ، فإِنَّما أَقْطَع له قطعة من النار» صريحٌ في عدمِ نفاذِ قَضَائِه باطنًا قلتُ: أَيْنَ أنتَ منهُ، فإِن الحديثَ لا يَمَسُ بموضعِ النِّزاعِ، لأنَّه لم يَرِدْ فيمن أَتَى ببينةٍ كاذبةٍ، إِنَّما هو فِيمَن قَطَعَ له النَّبي صلى الله عليه وسلّم مالًا مِنْ أَجْلِ طلاقةِ لسانِه، وفصاحَةِ مَنْطِقِه، وهو المرادُ بلحن الحُجَّة، لا أَنَّه أَتَى بشهادةِ الزُّور، ومعلومٌ أَنَّ الإِنسانَ قد يتأثرُ من سورةِ الكلامِ، - وإِنَّ منَ البيانِ لسِحْرًا - فذلكَ بابٌ آخر، فَأَمْعَنَ النَّظر فيه بعينِ القَبُولِ، ولا تُسرع في الرَّدِ والقبولِ، وترجمةُ اللَّحْنِ في الحُجةِ جرب زبانى، وأنت تَعلمُ أَنَّه لا دخلَ له في القضاءِ، فهو كذلك عندنا أيضًا، لأَنَّه ليس بشهادةٍ، بضابطةِ الشَّرْعِ. وحاصلُه في لسانِنَا كه اكر زبان زورى اور جرب زبانى سى هى كوئى فيصله كراى تواو سكايه حكم هى ثم إِنَّه قد يَذْهَب إلى بعض الأَوْهَامِ أَنَّه لا غَائِلةَ بإِتيانِ شهادةِ الزُّورِ عندنا، قلتُ: حاشا للحنفيةِ أَنْ يقولوا به:


(١) قلتُ: وقد بلغني أنَّ في المسألةِ كلامًا شريفًا مِنْ شيخِ الهندِ ذَكَرَه في رسالتِه "إيضاحُ الأَدِلَّةِ" إلا أَني أتأسفُ على أني لم أَنْتَهِزَ فرصةً لمراجَعَتِها، فعليكَ بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>