للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عندنا، بل لا بُدَّ من شهود الكتابة عندنا.

قوله: (اذْهَبْ، فَالْتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ)، يعني لا نَحَمَلُ بقوله: «إنه زُورٌ»، ولكن نقولُ: إِنا نَحْكُمُ بالبيِّنة، فإن كان عندك ثبوتٌ، فالتمسه.

قوله: (وقَدْ كَتَبَ النَّبيُّ إلى أَهْلِ خَيْبَرَ: إمَّا أن تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وإِمَّا أن تُؤْذِنُوا بحربٍ) ... إلخ. أي تُعْطُوا الدِّيَةَ، قوله: «تَدُوا»، بصيغة الخِطَابِ غير مربوطٍ. والصوابُ ما عند المصنِّف في باب كتاب الحاكم إلى عمَّاله: «فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم إمَّا أن يَدُو صَاحِبكم» ... إلخ بصيغة الغيبة.

١٦ - باب مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ

وَقَالَ الحَسَنُ: أَخَذَ اللهُ عَلَى الحُكَّامِ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الهَوَى، وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ، وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} [ص: ٢٦]. وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا} اسْتُودِعُوا {مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]. وَقَرَأَ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]. فَحَمِدَ سُلَيمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ، وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ أَمْرِ هذَيْنِ لَرَأَيتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنى عَلَى هذا بِعِلمِهِ وَعَذَرَ هذا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ مُزَاحِمُبْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُبْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ القَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً، كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُوْنَ فَقِيهًا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صَلِيبًا، عالِمًا سَؤُولًا عَنِ العِلمِ.

قوله: ({يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}) أَطْلَقَ اللهُ سبحانه لفظ الخليفة على النبيين من أنبيائه، ومرَّ عليه الشيخُ الأكبرُ، فراجع كلامه.

قوله: ({إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ}) ... إلخ، ذكر ابنُ خلدون في مقدمته: أن اليهودَ كانوا تفرَّقُوا فرقتين: منهم من كان يَعْمَلُ بالقياس، ويُسَمَّوا بالربانيين. ومنهم من كان يُنْكِرُهُ، ويُقَالُ لهم: الأَحْبَار. وأَبْعَدَ ابنُ حزمٍ حيث شدَّد الكلام في القائسين، ومن دان دينهم.

قلتُ: كيف! والقرآنُ قد أثنى عليهم أيضًا، وقد كان الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلّم أَخْبَرَ: «بأن أمَّته تتبع سنَنَ من قبلها شِبْرًا بِشِبْرٍ» ... إلخ، فكان لا بُدَّ أن تَفْتَرِقَ هذه الأمَّةُ أيضًا في أمر القياس افتراق اليهود فيه. فقال به بعضُهم كالربانيين، وأنكره بعضُهم كالأحبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>