للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقرينة الثالثة: أن الرُّوَاة إنما يَتَنَاقَلُونه في بَوْل الناس، يعني أنَّ الرُّوَاة عند السؤال والجواب والمُرَاجعات إذ يأتون بهذا الحديث يريدون به بول الناس، وهذا يؤيِّد أنه محمولٌ على بول الناس عندهم، ولمَّا لم يكن عندي دليلٌ على التخصيص، رَاعَيْتُ الجانبين، فقلتُ باعتبار تَنَاقُل الرُّوَاة: إن المراد منه بول الناس، وهو مراد أَوْلَى، ولفقدان دليل التخصيص قلتُ: إنَّ المرادَ منه البول مطلقًا، وهو مرادٌ ثانوي. وهذا واسع عندي: أن يقتصر الشيء على أمر باعتبار مراده الأَوْلى ويُعَمَّم يَحَسب مراده الثانوي، ولأنَّه لا فارق بين بول الناس وغيره، فيلحق غيره به أيضًا.

وقد تحقَّق عندي تعدُّد المِصْدَاق، ولم يُنَبِّه عليه أحدٌ، إلاّ بعض شارحي «التلويح» حيث قال: إن خمر العنب مِصْدَاق أَوْلى للفظ الخمر، وما يقوله الجمهور مِصْدَاق ثانوي له. وهكذا أقول في البول، ثم أقول: إنَّ الحُكمُ إذا ورد على اسم يكون بعضُ ما صَدُقَاتِ مُسَمَّاهُ كثيرَ الوقوع، ثم خَصَّص الحديثُ هذا البعضَ الذي هو كثيرُ الوقوع بحكم، فهل يقتصر هذا الحكم على هذا البعض فقط، أو يدور على الاسم مطلقًا؟ والذي يتَّضِح: أنه يدور على الاسم، ولا يَقْتَصِر على هذا البعض، لأن الاقتصار فيه إذا كان لكَثْرَة الوقوع، فلا معنى للتخصيص، وههنا أيضًا كذلك، فإِنَّ حُكْمَ التعذيب وإن اقتصر على بول الناس، كما اختاره البخاري، إلاّ أن تخصيصه بالذكر لكَثْرَة المعاملة معه، فلا يَقْتَصِر الحكمُ عليه، بل يتعدَّى إلى سائر الأبوال، وحينئذٍ لا يحتاج إلى التقرير السابق أيضًا.

أما الأصوليون فلم يذكروا تعدُّد المِصْدَاق، نعم قسَّمُوا العُرْف إلى: لفظِيِّ، وعمليَ، واللفظي: أن يدلّ عليه اللفظ بوضعه. والعمليَّ ما تُرِكَ به العمل في بعض ما صَدُقَاتِه، وإن اشتمل عليه اللفظ لغةً كاللحم، فإِنه لا يُطْلَقُ في العُرْف على لحم السمك، وإن اشتمل عليه لغةً، فاعتبروا اللفظيَّ مطلقًا، وقد يَعْتَبِروُن بالعملي أيضًا، ويجعلونه مخصِّصًا كما في اللحم، فمن حَلَف أن لا يأكل اللحم، فإِنه لا يْحْنَثُ بأكل لحم السمك.

والذي أقول في مثل هذه المواضع: هو إقامة المراتب واختلاف الأحكام في بعض أفراد المُسَمَّى، ففي معنى اللحم مراتب يَسَعُ للمتكلِّم أن يريدَ بعضَها ويَتْرُكَ بعضَها، وهذا أيضًا وجه. وإقامة المراتب لم يتعرَّض إليها الأصوليون أيضًا، وكان مهمًا. وما في حاشية «نور الأنوار» نقلًا عن «مُسْتَدْرَك الحاكم» أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لما فَرَغ من دفن سعد، وابْتُلي بعذاب القبر، جاء إلى امرأته فسألها عنه، قالت: كان يرعى غنمًا، ولا يستتر من بولها، فقال: «استنزهوا من البول»، فلم أجده في النسخة المطبوعة ولا في القدر الموجود من النسخة القلمية عندي، ولو ثَبَتَ لكان فصلًا في الباب، وسيأتي بعض الكلام في باب ما يقع من النجاسات ... إلخ.

٦٠ - باب تَرْكِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسِ الأَعْرَابِىَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِى الْمَسْجِدِ

٢١٩ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>