للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِى مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». طرفاه ٨٣٤، ٦٣٢٦ - تحفة ٨٩٢٨، ٦٦٠٦

٧٣٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَادَانِى قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ». طرفه ٣٢٣١ تحفة ١٦٧٠٠، ١٦٧١٨

قد أَشْكَلَ عليهم إثباتُ السمع والبصر تعالى، من حيث أن علمَ الله تعالى محيطٌ بجميع الأشياء، فلم يَبْقَ شيءٌ ما إلَّا وقد دَخَلَ في حيطته، مُبْصَرًا كان أو مَسْمُوعًا، فليس شيءٌ إلَّا وقد عَلِمَهُ اللهُ تعالى من علمه المحيط. وحينئذٍ لو أثبتنا له السمعَ والبصرَ، لا تكون فيه فائدةٌ، وإنَّما كان السمعُ والبصرُ في الممكنات، لأنَّ علمَ البشر ناقصٌ جدًا لا يشمل غير الكليات، أو بعض الجزئيات المجرَّدة.

أمَّا المسموعات والمُبْصَرَات، وكذلك سائر ما يُدْرَكُ بالحواس، فلا عِلْمَ لهم بهما أصلًا، فكانت تلك الصفات لتكميل علمهم. فَذَهَبَ الغزاليُّ إلى أنهما عبارتان عن حصتين من العلم، فالعلمُ بالمسموعات هو المعبَّرُ عنه بالسمع، وكذلك البصر. فكأنَّه أرجعهما إلى العلم، ولم يَجْعَلْ لهما مِصْدَاقًا غيره، وهذا هو المنسوبُ إلى الأشاعرة. وذهب المَاتُرِيدِيُّ إلى كونهما غير العلم، غير أن علماءَنا لم يَذْكُرُوا لإِيضاحه شيئًا.

قلتُ: وهذا الذي عرض لشيخ الإِشراق، حيث ذَهَبَ إلى أن عِلْمَه تعالى كلَّه بالإِبصار، وذلك عنده علمٌ حضوريٌّ، فَأَرْجَعَ العلمَ إلى البصر، على خلاف الغزاليِّ، فالعلمُ عنده ليس أمرًا غير الرؤية، فانْحَصَرَ علمُه تعالى كلُّه في الإِبصار عنده. أمَّا قدماءُ الفلاسفة، فلم يتعرَّض أحدٌ منهم إلى أن صفةَ السمع مذا، وصفةَ البصر ماذا. وما لهم أن يتكلَّموا بعدما لم يُرْزَقُوا الاعتقاد بهاتين الصفتين، فإنَّ الأغبياءَ قد نفوها رأسًا. نعم جاء الإِشراقيُّ في الدورة الإِسلامية، فتكلَّم هو في السمع والبصر، وأَرْجَعَ العلمَ أيضًا إلى البصر.

وبالجملة تفرَّقت فيها كلمات القوم، فمنهم من نفاهما، ومنهم من أَدْرَجَها تحت العلم، ومنهم من عَكَسَ، فَجَعَلَ العلمَ كلَّه البَصَرَ لا غير. فهذا ما سَمِعْتُ سعيهم في هذا الباب. والذي أرى هو أنه لا بُدَّ من هاتين الصفتين في ذاته تعالى، فإنهما أيضًا من الصفات الكمالية، وليس من الكمالات شيءٌ إلَّا والله تعالى سبحانه جامعٌ له.

ومحصَّل الكلام: أن العَالَمَ قبل وجوده كان في حيطة علمه تعالى بكشفٍ تفصيليَ، فلمَّا خَرَجَ إلى ساحة الوجود تعلَّق به السمعُ والبصرُ أيضًا، لا بمعنى زيادة شيءٍ في الكشف والانجلاء بعده، بل بمعنى تكرُّر العلم بهذين النحوين أيضًا. فهذان نحوان

<<  <  ج: ص:  >  >>