للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِىَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا. أطرافه ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٣١ تحفة ١٦١٣٥

واختار المصنِّف رحمه الله تعالى نجاسة المَنِيِّ كما هو مذهب الحنفية، ووضع تراجم ثلاث تَتْرَى تدلّ على هذا المعنى، فذكر فيها غسله، كما ذكر غسل البول والمَذِيِّ، وكذا في الباب التالي ولم يومىء إلى طهارته وعدَّه مع سائر النجاسات في الباب الآتي: باب إذا أُلْقِيَ على ظهر المصلِّي ... إلخ، وفيه: «وفي ثوبه دمٌ أو جَنَابةٌ، أي مَنِيّ، إلخ، فَعادَل بين الدم والمَنِيِّ، وسَوَّى بينهما، فدلّ على كونه نجسًا عنده.

ثم اعلم أنَّ فقهاءنا رحمهم الله تعالى وضعوا للتطهير أنواعًا: فالاستجمار في السبيلين، والدَّلك في الخُفَّين، والمسح فيما لا تتداخله النحاسة، والجفاف في الأرض، الفَرْك في المَنِيِّ، فهو تطهير له عند الشرع، وإن لم يكن منه القَلْع بالكلية، فقد لا يمكن بالماء أيضًا، كما هو المُتَبَادر من حديث عائشة رضي الله عنها الآتي، وفيه: «ثم أراه فيه بقعة أو بُقَعًا»، لأنَّ الظاهر أن الضمير رَاجِعٌ إلى المَنِيّ (١)، وفي فقهنا: أنه يجب إزالة الرائحة واللون إلاّ ماشقَّ منها، وحينئذٍ لا بأس إن أردنا من الماء: هو المَنِيُّ، ومن البقعة: بقعته، مع أن المُتَبَادَرَ من لفظ الماء: المعروف، ومن البقعة: بقعة الماء،

وحاصله عندي: أنه كان يَذْهَبُ إلى المسجد مع بقاء أثر الغَسْل في ثوبه. ولم يكن يَنْتَظِر الجفاف.

والألفاظ الواردة فيه ثلاثةٌ:

الأول: «وإن بُقَع الماء في ثوبه» يقع الماء مبتدأ، وفي ثوبه خبره.

والثاني: «وأثر الغَسْل في ثوبه».

والثالث: «ثم أراه فيه بقعة».

وهذا الأخير هو الظاهر في مرادهم، إلا أنه لا ينبغي أخذ المسائل من ألفاظ الرُّوَاة لا سِيَّما عند اختلاف ألفاظهم، وكانت المسألة من الحلال والحرام، أو من باب الطهارة والنجاسة، وكذا لا مُسْكة لهم في لفظ الفَرْك، والمسح، والسَّلْت الواردة في هذا الباب، فإِن بعضها تطهيرٌ له، والبعضَ الآخر تقليلٌ في الحالة الراهنة، وإزالةٌ لجُرَمه المُتَقَذَّر وسَتْرُه عن أعين الناس. كذلك رَدَّ البعض بالبعض في المُخَاط في الثوب حالة الصلاة، مع أنَّ النجاسةَ القليلةَ


(١) قلت: وقد يَخْطُر بالبال أن الفرك لو كان دليلًا على الطهارة كما فهمه الشافعية، لكان النَّضْح في البول دليلًا على طهارة البول، فإن النَّضْح على ما عُرِفَ عندهم هو الرَّشُّ، وهو غيرُ قالعٍ ولا مقلِّلٍ، بخلاف الفرك، فإنه وإن لم يكن قالعًا عن أصله، لكنه مقلِّل البتة، فلَزِمَهمِ أن يقولوا بطهارة البول، فاعلمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>