للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ - أَوِ الْحَائِطِ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَتْ فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ. أطرافه ٢٤٩، ٢٥٧، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٥، ٢٦٦، ٢٧٦، ٢٨١ - تحفة ١٨٠٦٤ - ٧٧/ ١

وحاصله: أنه إذا اغتسل بعد الوضوء فليس عليه أن يفيض الماء على أعضاء وضوئه ثانيًا، فإن شاء أفاض عليها الماء، وإن شاء اكتفى بغسل سائر جسده، فقط ولمَّا قابل الراوي بين أعضاء الوضوء والجسد حيث ذكر أولًا غسلها وذكر بعده غسل الجسد بثم، ظهر أَنَّه أرادَ من الجسد غيرها، وثبت ما رامه المصنَّف رحمه الله تعالى «سائر» الأفصح أنه بمعنى الباقي، من السؤر بمعنى الباقي والفضل، وقيل: بمعنى الجميع من السور أي من سور البلد.

١٧ - باب إِذَا ذَكَرَ فِى الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ، يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ

قال النُّحَاة: (كما هو) قد يكون للتشبيه، وقد يكون للمفاجأة، وهو المراد ههنا.

قوله: (ولا يتيمم) ولا يجوز للجنب أَنْ يَدْخل المسجد عندنا، فإِنْ دخل ناسيًا يتيمم ثم يخرج، وفي رواية غير مشهورة: يخرج وإن لم يتيمم. كذا في «رد المحتار»، وهي المختارة عندي، وإن كانت غير مشهورة، وهو المتبادَر في الحديث، فإِن النبي صلى الله عليه وسلّم لو كان تيمم لَذَكَرَهُ الراوي، فهو سكوت في مَعْرِض البيان، وأصل الكلام في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣]- الآية.

قال الشافعية رضي الله عنهم: إنَّ صدرَ الآيةِ في حُكْمِ الصَّلاةِ ثم انتقل إلى حكم المسجد، فلا يجوز للجنب أن يدخلَ فيه إلا بطريق العبور والاجتياز. وقال الحنفية: إن آخِرَها أيضًا في حكم الصلاة كأوَّلها، ومعناه: لا تقربوا الصلاة حال كونكم جنبًا إلا أن تكونوا مسافرين. ويَردُ عليه قوله: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} فإِنه يوجب التكرار على هذا التقدير والجواب أنه أعادُهُ لبيان حكمه، لأنه لم يذكره أوّلًا، فهذا استئناف بإِعادة ما استؤنف عنه، وهو نوع من البلاغة.

ويَرِدُ على الشافعية أنه يجب عليهم تقدير المضاف، أي: لا تقربوا مواضع الصلاة ليكون المذكور فيها حكم المساجد، وهذا خلافٌ الظاهر، فإِن المتبادَر أنها في حكم الصّلاة دون المسجد، وأيضًا قوله: {عَابِرِى سَبِيلٍ} وإن صلح للعبور والاجتياز لغةً إلا أنَّ المتبادرَ منه عُرفًا المسافر، فيقال للمسافر: إنَّه عابرُ سبيل وابن سبيل.

أقول: والذي تبين لي أن الآية سِيقت لبيان أحكام الصلاة، ثم انسحبت على ذكر مواضعها أيضًا، فالحكم في القطعة الأولى للعبادة، وفي الثانية لمواضع العبادة. فإِن شئت سمَّيتَه صنعةَ الاستخدام أو غيرها. وحاصلها عندي: لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكَارى، ولا تقربوا

<<  <  ج: ص:  >  >>