للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمنها حديث أبي الجُهَيم، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه، ومنها حديث مُهاجر بن قُنْفُذ. أما حديث أبي الجُهَيم ففيه: أنَّ رجلًا سَلَّم عليه وهو مُقْبِلٌ من نحو بئر جَمَل، فكان السلامُ فيه بعدَ البول لا حال البول، وفيه رَدُّهُ صلى الله عليه وسلّم عليه بعد التيمم، وليس فيه ذِكْرُ العِلّة.

وأمَّا حديث ابن عمر رضي الله عنه ففيه: أنه سَلَّم عليه حالَ البول، وفيه أنه لم يَرُدَّ عليه السلامَ. وفيه عند الطحاوي، وأبي داود جواب السلام بعد التيمم، مع ذكر التعليل، والاختلاف في أنَّ السلامَ كان بعد خروجه من غائطٍ أو بولٍ، فاختلف حديثه: ففي الترمذي ومسلم والطحاوي في طريق: أن السلامَ كان حالَ البول، وعند الطحاوي من طريق آخر وأبي داود: أنه كان بعد الخروج من الغائط، أو البول.

أما حديث مهاجر ففيه اختلاف أيضًا، فعند ابن ماجه: أنه سلَّم عليه وهو يتوضأ، فلم يردَّ عليه السلامَ حتى فَرَغ من وضوئه، مع ذكر التعليل. وهكذا عند الطحاوي في طريق. وعنده من طريق آخَرَ وأبي داود: أنه سلَّم عليه وهو يَبُولُ، وعلى الأول فيه استدلالُ الطحاوي على اشتراط الطهارة للأذكار، كما ذَكَره في باب التسمية على الوضوء، على خلاف مذهب الشافعية.


= الأولى: ما عند ابن ماجه عن المهاجر بن قُنْفُذ قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ فسلمتُ عليه فلم يَرُدَّ علَيَّ، فلما فرغ من وُضوئه قال: "إنه لم يمنعني مانع، مِن أن أَردَّ عليك، إلا أني كنتُ على غيرِ وضوء، وهكذا عند الطحاوي بلفظ: "وهو يتوضأ"، مع بعض تغيير في لفظ التعليل. وعنده من طريق آخر عنه: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يَبُولُ، أو قال: مررت به وقد بال، فسلمت عليه فلم يردَّ علي حتى فَرَغ من وُضوئه، ثم ردَّ عليَّ. وعند أبي داود: وهو يبول، بدل وهو يتوضأ.
والثانية: ما عند ابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: مرَّ رجلٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فسلَّم عليه فلم يَرُدَّ عليه، وهكذا عند الترمذي ومسلم بدون ذكر التعليل. وعند الطحاوي عنه: أن رجلًا سلَّم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يبولُ، فلم يَرُدَّ عليه حتى أتى حائطًا فتيمم. وعنده أيضًا أنه قال: مرَّ رجلٌ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في سِكَّةٍ من السِّكَك، وقد خَرَج مِن غائطٍ، أو بولٍ فسلَّم عليه فلم يَرُدَّ عليه السلام حتى كاد الرجل أن يتوارى في السِّكَّة فضرب بيديه على الحائط فتيمم بوجهه، ثم ضرب ضربةً أخرى فتيمم لذراعيه، قال: ثم رَدَّ عليه السلام وقال: "أما إني لم يمنعني أن أَرُدَّ عليك السلامَ إلا أَني كنتُ لستُ بطاهر". وفيه التعليل أيضًا. وأخرج أبو داود نحوه - يعني مع بيان التعليل، ثم عَلَّله. قلت: والذي يظهر من كلامه أنه علَّله لحالِ ذِكْر الذراعين لا لحال التعليل، والله تعالى أعلم.
والثالثة: ما أخرجه البخاريّ ومسلم، ولفظ مسلم: فقال أبو الجَهْم (والصحيح مُصَغَّرًا كما في البخاري): أقبل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جَمَل، فلقيه رجلٌ فسلم عليه فلم يردَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار، فمسح وَجْهَهُ وَيدَيْه ثُم ردَّ عليه السلام. وهكذا عند الطحاوي وأبي داود بدون ذِكْر التعليل.
والرابعة: ما عند ابن ماجه عن أبي هريرة قال: مَرَّ رجلٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يَبُولُ، فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه، فلما فَرَغ ضَرَب بِكَفِّه الأرض فتيمم، ثم ردَّ عليه السلامَ.
والخامسة: ما عنده عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا مَرَّ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يَبُولُ فسلم عليه، فقال له رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا رَأَيْتَنِي في مثل هذه الحالة فلا تسلم عليّ، فإنك إن فعلت ذلك لم أردَّ عليك". ولم أجد هاتين غيرَ عند ابن ماجه، ولا سمعت فيها شيئًا من شيخي، والذي لا أشك فيه -والله تعالى أعلم- أنها قصة مهاجر رضي الله عنه، أو ما ذكره ابن عمر رضي الله عنه. وإذن تحصل من مجموع الروايات ثلاثُ قصص مع مغايرات بينها.

<<  <  ج: ص:  >  >>