للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهمزة الإفعال إذا دخلت على الفعل المتعدي، فإما أنْ يعديه إلى مفعولٍ ثانٍ، أو يجعله لازمًا على معنى الصَّيرورة.

فالأول، أي التَّصديق، منقولٌ من الأَفعال المتعدية، يقال: آمنته فلانًا، أي جعلتُه آمنًا منه، وآمَنْته غيري، أي جعلت غيري آمنًا منه، وكلا المعنيين اللغويين، معنيان حقيقيان لِلَفظ الإيمان، وُضِعَ أولًا لجعل الشيء أمنًا من أمر، ثم وُضِع ثانيًا لمعنىً يناسبه وهو التَّصديق، فإنك إذا صَدَّقْتَ المخبر فقد أمنته من تكذيبِكَ إياه. وتعدِيتُهُ بالباء لتضمِينه معنى الاعتراف، فإنك إذا صدَّقت شيئًا فقد اعترفت به.

والمعنى الثاني منقول من الأفعال اللازمة، بمعنى صار ذَا أمن، فيتعدى بالباء، ليقال: آمن به، أي وثِقَ به، لأن الواثِقَ بالشيء صار ذا أمنٍ منه، وحينئذٍ لا يحتاج إلى التَّضمين. وأضاف الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى على معناه اللغوي، فبدأ قيدًا آخر، وقال: إن الإيمان اسم للتَّصديق بالمغيبات خاصة، ولا يطلق الإيمان على غير ذلك، فلا يقال: آمنت بذلك في جواب من قال: السماء فوقنا، ولذا قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣]، فقيَّد الإيمانَ بالغيبِ، لأنه لا يتعلق إلا به، وقال: إن الإيمانَ هو تصديق السامِعِ للمخاطب، واثِقًا بأمانته، ومعتمدًا على دِيانته.

وأصلُ الإيمان تبجيل الذاتِ وتعظيمها، ثم استعمل في التصديق مطلقًا، ويتعلق بالذوات والأخبار. فإن تَعَلَّقَ بالذات يُؤْتَى بالباء في صِلته، وإن تعلق بالأخبار فباللام لتضمينه معنى الإقرار، وعليه قوله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: ١٧] أي بمقر لنا، ولم يقولوا: بنا،


= هو أنهم لم يجعلوها كالأجزاء للإيمان، فإنهم قالوا: الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فجعلوها مؤثرة في نماء الإيمان وعدمه، لا أجزاء له وحينئذ لا يكون مسألة الزيادة والنقصان من تفريعات قولهم قول وعمل، ويكون الأعمال دخيلة في الزيادة والنقصان، لا داخلة في الإيمان. وقد صرح ابن تيمية (رحمه الله تعالى) بكون قولنا الإيمان لا يزيد ولا ينقص من بدعة الألفاظ، فكأنه لم يجد بدًا من تسليم صحة مقالته (رحمه الله تعالى) فالصواب أن الكل على الحق، ولكل أطراف، وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا، ولكل وجهة هو موليها، والوجه: إنه من باب متقضيات الأحوال، وهل النسبة بين الأعمال والإيمان، كنسبة الأجزاء إلى الكل، والأسباب إلى المسبب؟ فهما نظران، قيل: بالأول: وقيل: بالثاني، ثم بدا لي أن نسبة الأعمال إلى الإيمان ليس كنسبة المكمل إلى المكمل أيضًا، كما هو المنسوب إلى الحنفية، ولا كنسبة الأجزاء إلى الكل، كما هو مذهب المحدثين، بل هو كنسبة الفرع إلى الأصل وهي كونه نابتًا عنه ويشهد له القرآن (أصلها ثابت وفرعها في السماء) ولعل تعبير الأعمال بالشعب في حديث الصحيحين نظرًا إلى فرعيتها، لا لجزئيتها، واعلم أن مسألة عدم الزيادة والنقصان لم أجدها مروية عن أبي حنيفة (رحمه الله تعالى) غير أن ابن عبد البر نسبها إليه في التمهيد وأثبت شيء في عقائد الإمام الأعظم (رحمه الله تعالى) وصاحبيه عقيدة الطحاوي وفيه ما يدل على أن الإمام (رحمه الله تعالى) إنما ينفي الزيادة في مرتبة محفوظة بحيث لو انحط عنه لزال اسم الإيمان، وأما فيما بعده فيقول بهما وروى الزبيدي في شرح الإحياء عن أبي حنيفة (رحمه الله تعالى) الزيادة فيه مع نفي النقصان وهو يرجع إلى ما قاله الطحاوي والله أعلم.
فدونك بطاقة حاوية محتوية، كافية كفيلة، جميلة جليلة، جزيلة وجيزة، غير طويلة في باب الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>