للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الموتِ؟ فالجواب: كما مر عن «الفتح» روايته (١): ثم ليعلم أن الرُّوحَ المُجَرَّدَ ليس بمكانيَ وليس له تَعَلُّقٌ بالمكانِ المخصوصِ، بخلافِ حالِ الجَسَدِ فإِنَّه لا يوجد إلا بالمكانِ، والبدنِ المثالي بَيْنَ بَيْنَ. قال الصَّدْرُ الشِّيرَازي: إنَّ النَّفْسَ الناطقةَ مُنْغَمِسَةٌ في شوائبِ المادةِ، ثم تصيرُ بعد الرياضاتِ مجرّدةً تدريجًا، ثم إن الروحَ والنَّسَمَةَ، والنَّفْسَ والذَّرَّ كلَّها أشياءٌ متغايرةٌ وليست حكايةً عن معنىً واحد، ولذا ترجم ابن سيناء الحيوانَ «جان» والروح «روان» ففيها فروق.

ولم يتكلم التُّورِبِشْتِي لما مرّ على شرحِ أحاديث الذَّرِّ إلا بالذَّرِّ، ولم يُغَيِّر هذا اللّفظ ولم يَضَعْ مكانَه لفظًا آخرَ، ففهمتُ أنّه لا يُتْرَك هذا اللّفظ لهذه الدّقيقة، والذّرّ وإن كان قريبًا من الروح لكنّه أُطلق على الجسد أيضًا. قال ابن دقيق العيد رحمه الله: لو وُجِدَتْ تضانيفُ هذا الفاضِلِ لَنَفَعَتِ الأمة جدًا، ولكنّها تلفت في فتنة التتار. وزعم الناس أنّه شافعي رحمه الله تعالى. قلتُ: بل هو خلاف الواقع وهو حنفي تلميذ البغوي متقدِّم على الإِمام الرازي، وإنما تَوَهَّم من تَوَهَّم لذكره في طبقات الشافعية، وكونِهِ محدثًا.

قوله: (سماء) أَنْكَرَ وجوده المُتَنَوِّرون، وقالوا: ليس فوقنا إلا جوهرًا لطيفًا غيرَ متناهٍ، والنجومُ تجري فيها سابحةً بنفسها. قلت: ولا دليل عليه عندهم، لِمَ لا يجوز أن يكونَ هذا الجَوّ على طبقاتٍ، كلُّ طبقةٍ منها تسمّىِّ سماءً، حتى تكونَ سبعَ سماواتٍ كما أخبر به النص.

قوله: (سماء الدنيا) واختار الشاه عبد القادر: أنَّ النجومَ كلَّها في سماءِ الدُّنْيَا.

قوله: (إدريس) واعلم أن نوحًا عليه الصَّلاة والسَّلام عُدَّ من أجدادِهِ صلى الله عليه وسلّم اتفاقًا، وعَدَّ الجمهور إدريسَ عليه الصَّلاة والسَّلام أيضًا منهم لكونه متقدِّمًا على نوح عليه الصَّلاة والسَّلام أيضًا، فإذا كان نوح عليه الصَّلاة والسَّلام من أجدادِهِ فَإِدْرِيسُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ بالأَوْلَى. وتردَّدَ فيه البخاري وقال: بل هو نبي من الأنبياءِ بعدَ نوح عليه الصَّلاة والسلام، ولذا ذَكَرَ أَوّلا نوحًا عليه السلام، ثم ذكر إلياسَ عليه السلام، واحْتَجَّ من كلام ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وابنِ عباسٍ رضي الله عنه، أنَّ إلياسَ عليه السلام هو إدريسُ عليه السلام، ولا ريب أن إلياسَ عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، فثبت تأخُّرُ إدريسَ عليه السلام عن نوحٍ عليه السلام. وتمسك بلفظه الأخ الصالح للنبي صلى الله عليه وسلّم.

قلتُ: ولا دليل في ذلك لجوازِ أن يكونَ ذلك توسعًا، لأنه لم يواجِهْهُ أحدٌ من الأنبياء عليهم السلام بلفظِ الابنِ إلا آدمَ عليه السلام وهو أبو البشر، وإبراهيم عليه السلام وقد أعلن بأُبُوَّتِهِ هو في الدنيا ونَسَبَهُ إليه بنفسِهِ، فينبغي لهما أن يخاطِباه بالابنِ. ثم إنهم اختلفوا في أن إدريسَ عليه السلام وإلياسَ عليه السلام نبي واحد أو اثنان؟ والذي سَنَحَ لي أنهما اثنان، وإدريسُ عليه السلام نبيُّ متقدِّمٌ على نوح عليه الصَّلاة والسَّلام، بخلاف إلياسَ عليه الصَّلاة


(١) قلتُ: ولا يَظْهَر أَنَّ تلكَ الأرواح هي التي دَخَلت في الأجساد، أو لم تدخل بعد، والذي فَهِمْتُهُ من كلامِ الشيخ رحمه الله تعالى: أَنَّها التي الآن في الأجسادِ على الأرضِ، إلا أنَّه كَشَفَ له عنها مع كونِهَا على الأرض، ولا يَسْتَلْزِم أنْ تكونَ على السماءِ إذ ذاك اهـ. منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>