للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما الأحاديث فهي أقعد على مذهبنا لأنها وردت بالاستقبال كما في «المصنَّف» لابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، والتَّحرِّي والأخذ بالأقلِ جميعًا كما عند مسلم، فَعَمِلْنَا بِمَجْمُوعِهَا بخلافِ الشافعية فَإِنَّهم لم يَعْمَلُوا إلا بالثالث، وأوَّلوا في سائرها فقالوا: إنَّ تَحَرِّي الصَّوَابِ هو الأَخْذُ بالأقلِ فأرجعوه إلى الصورةِ الثالثة.

قلنا: لا تساعده اللغة أصلا فإنَّ التَّحَرِّي هو أَنْ يَرَى غَلَبَةَ ظَنِّه، ولا يجوز إلغاء هذا التعبير الجديد وإرجاعه إلى الثالث، فإن التَّحَرِّي بهذا المعنى شيء مفيد في نفسه، سيما إذا علمنا أَنَّ الشَّرْعَ قد اعتبر بالغَلَبَةِ في غَيْرِ واحدٍ مِنَ الأبواب، فما الوجه في أَنْ لا نَعْتَبر هذا النوعَ من ههنا أيضًا؟ ويلزم على مذهبِهم إخلاء النوعِ عن حُكْمِه بالكُلِّية، وذا غيرُ جائز.

قوله: (ثم ليُسَلِّمْ) وفيه سَجْدَتَا السَّهْو بعد السلامِ، وفي «الهداية» أَنَّ الخِلاف فيه خلاف الأَفضلية نعم عبارةٌ «التجريد» موهمةٌ شيئًا.

قلتُ: وينبغي الأَخذ بما في «الهداية» وإنْ كانت مرتبة القُدُوري أزيد لأنَّ العمل برواية «التجريد» يُوْجِبُ مخالفةَ أكثر الأحاديث الصِّحاح - أما حجةُ الحنفية فأقول: إنَّ الأحاديث القولية تُؤَيِّدُنا خاصةً، كما عند أبي داود: «مَنْ شَكَّ في صَلاتِهِ فَلْيَسْجُد سجدتين بعد ما يُسَلِّم»، وعند البخاري عن عبدِ اللَّه بنِ مسعود: «ثم ليُسَلِّم ثم ليسجد سجدتين».

بقي الفِعْلُ فقد ورد بالنَّحْوَين ولا بأس، فإِن الخلاف في الأفضلية لا غير.

ثم اعلم أنَّ وقائعَ سَهْو النَّبي صلى الله عليه وسلّم أربعة، حَرَّرَها الشيخ تقي الدين ابنُ دقيق العيد.

ثنتين منها عن البخاري. الأولى: جعل الظهر خمسًا.

والثانية: جعل الرباعية ثنائية.

والثالثة: ما عند أبي داود ترك القَعْدةَ الأولى.

والرابعة: أنَّه سهى عن قَراءَةِ آيةٍ. في صلاته، فلما انصرف قال لابنِ مسعود رضي الله عنه: «هل كنت في الصلاة؟ قال: نعم. قال: فهلا ذكرتني».

أقول وهناك واقعةٌ خامسة أيضًا وهي: أنَّه سَلَّم مَرَّةً على القَعْدَةِ الأولى من المَغْرب، ثم إنَّ البُخَاري أخرج حديث السَّهْو مرارًا واستنبط منه مسائلَ عديدة، وتَرْجَم تراجِمَ مختلفة، ثم لم يترجم عليه بجوازِ كلامِ النَّاسي فَدَلَّ على موافقَتِه للحنفية.

٣٢ - باب مَا جَاءَ فِى الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لَا يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ

وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِىَ.

٤٠٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّى فِى ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>