للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٤٦ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. تحفة ٧٦٨٣

قوله: (والجَريد) وهي الغُصْن التي جُرِّدَتْ عن أورَاقِها.

قوله: (أكِنَّ) يعني "بجانا جاهتاهون".

قوله: (وإياك أَنْ تُحمِّرَ أو تُصَفِّر) واعلم أنَّه قد يَخْتَفي مرادُ الأحاديث الجلِيَّة لعدمِ الاطلاعِ على غَرَضِ الشارع والفَحْص فيه كالأحاديث في نهي تجصيص البيوت فإنَّ ظاهرها تدل على أن التجصيص لا يجوز، وبعد التحقِيق والإِمعان يُعْرَف أَنَّ النَّهْيَ عنه لإِظهارِ كَرَاهَتِه على حَسَبِ مَوْضُوعه فقط وما كان للنَّبي أَنْ يرغب في الدنيا ويُحرض في تزيينها، فإنَّ موضوع الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ أَنْ يكون الإنسان في الدُّنيا كأنَّه غريب أو عابر سبيل، وتلك الكراهةُ قد تَرْتَفِع لأجل المصالح.

وكذلك ما في المِشكاة «لا تدعوا على ملوككم الظلمة، ولكن أصلحوا أنفسكم فإنكم كما تكونون يؤمَّرُ عليكم»، أو كما قال. تمسك به بعضُهم أنَّ الدُّعاء على الملوك لا يجوز، مع أَنَّ غَرَض الحديث التوجيه إلى ما يَغْفَل عنه الإِنسان، فإن الدُعاء على الظالِم لا ينساه أحد، ولكنَّه لا يكاد يَتَوجَّه إلى حال نفسه فَوجِّه إلى ما هو الأهم. وكقوله صلى الله عليه وسلّم لمن كان يَتهَجدِ في الليل ثم تركه «أنه لو لم يكن صلاها لكان أحسن» أو كما قال: وبَحَثَ فيه الشارحون: أنَّ المتهجد أحيانًا أفضلُ أو التاركُ لها مطلقًا؟ قلتُ: بل المتهجدُ تارة أفضل يقينًا إلا أنَّهَم مشوا على الألفاظ فقط ولم يتوجهوا إلى المراد، وإنَّما مرادُهُ التحريض على المواظبةِ وكَرَاهة تركِها.

والحاصل: أنَّ المقصودَ قد يكون في غيرِ المَنْطُوق والنَّاس يقتصرون أنظارَهم على المنطوقِ فقط، ويَغْفُلون عن المقصودِ فَيُفْقَد الغَرض، فالأحاديثُ الواردة في النَّهي عن تَجْصِيص البيوت لم يَرِد في الحِل والحُرمة بل لبيان ما ينبغي أَنْ يكون من حال الإِنسان في الدنيا، هل يناسبه التَّطَاول في البُنيان، والتَّخَبُّط كالعُمْيان؟ أو الاكتفاءُ بِقَدْرِ ما يحتاج والإِعداد لدار الجِنَان.

وكذلك قوله في النَّهي عن الدعاءِ على الظَّلمَة لم يَرِد في جواز الدُّعاء أو عَدَمِه، بل لِتوجِيه الأَذْهان إلى الأهم لتغافُلِهم عنه، وكذلكَ الحديث الثالث لم يَرد في بيان فَضْلِ شيءٍ على شيءٍ، بل لتحريضِ قيامِ الليل والمُدَوَامَةِ عليه، وإنَّما يَفْهَمُه من رُزِقَ فَهْمَا سليمًا.

إذَا عَلِمْتَ هذا فاعلم أنَّ الأحاديثَ قد كَثُرَت في كونِ تَجْصِيص المساجد من أمارات السَّاعة، ومع هذا جَصَّصَه عثمان رضي الله تعالى عنه من ماله، فالصحابة رضي الله عنهم نظروا

<<  <  ج: ص:  >  >>