للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طُرِح في النار» انتهى. وهذا صريحٌ في أَنَّ الصيامَ أيضًا يُؤْخَذ في الكفارات كما تُؤْخَذ سائر العبادات.

والوجه فيه عندي: أَنَّ الرَّاوي خَلَطَ فيه بين السِّيَاقينِ، والصحيحُ ما في «الموطأ» لمالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «والذي نفسِي بيده لَخَلُوفِ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عند الله مِنْ رِيح المِسْك إنَّما يَذر شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابَهُ مِنْ أَجْلي فالصيامُ لي وأنا أجزي به؛ كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضَعف إلا الصيام فهو لي وأَنَا أجزي به» انتهى. فدلَّ على أَنَّ الخصوصية في الصَّوم أَنَّهُ يَدَع فيه شهوتَه لأجلِه تعالى، وهو معنى قوله: «الصومُ لي». كما تُشعر به الفاء بعد قوله: «إنَّما يَذر شهوتَهُ» ومعنى قوله: «وأنا أجزي به»، أَنَّ أجره غير محدود، يعلمُه الله تعالى، بخلاف أجورِ سائرِ العبادات، فإِنَّها تضعف إلى سبع مئة ضعف. وهذا هو أَصْوَبُ الشُّروح. وما ذَكَرُوه كلها احتمالات، وما أَخرجه البخاري غيره الراوي فكان الاستثناء في الأَصلِ مِنْ تضعيفِ الثَّواب، فَنَقَلَهُ إلى تكفير العمل، فأوهم (١) أَنَّ الصيامَ لا يُؤْخَذ في الكفَّارَة؛ وعلى هذا ليس فيه ما يَدلُّ على خلافِ حديث الترمذي أَنَّ الصومَ لا يُؤْخَذ في الكفَّارة وإنَّما خفي مُراد حديثِ البخاري لاختلالٍ في سِيَاقِه كما علمت.

والحاصل: أَنَّ الحديثَ جاءَ على أربع:

سياق الأول: ما في البخاري: «لكل عملٍ كفارة»؛ والثاني: ما في المسند «كل عمل كفارة». والثالث: «كل عمل ابن آدم له». والرابع: ما في «الموطأ» «كلُّ حسنةٍ بعشرٍ أمثالِها، إلا الصيام ... الخ» وهذه القطعيات كُلُّها صحيحة عندي، ولعلَّه مِنْ بابِ حفظِهِ كل ما لم يحفظ الآخر، لا مِنْ بابِ الرِّواية بالمعنى، وأَحقُّ السِياق: كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصوم، ووجه كونِه له، ما يَظْهَر مِنْ رِواية «الموطأ» وهو أَنَّ فيه تَرْك الأكلِ، والشربِ، والجماعِ، وليس ذلك في سائر العباداتِ غير الصوم، فإنَّ الصومَ عبارةٌ عن نفس تَرْكِ هذه الأشياء قصدًا، بخلافِ الصَّلاةِ والحج ونحوهِما مِنَ العبادات؛ فإنَّها ليس فيها تَفُويت الأكلِ، والشربِ، فإِنَّ الرَّجُل يأكلُ ثُمَّ يُصلِّي، ويُصَلِّي ثُمَّ يأكل؛ فليست الصَّلاةُ اسمًا لترك هذه الأشياء، وإنْ تَعَطَّلَ فيها عن بعض حوائِجه تلك المدة، والله تعالى أعلم.

قوله: (إذًا لا يُغْلَقَ) قال العلامةُ الكَافِيجي إِنَّ «إذن» و «أنْ» الناصبة شيء واحد، وجاز كتابتها بالتنوينِ أو النُّونِ.

قوله: (بالأغاليط) جمع أغلوطة، كلُّ شيء يلقي الناس في الغلط.

قوله: (مِنَ امرأة قُبْلة) وروايةُ البخاري تَدُلُّ على أَنَّ آية {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ} نزلت


(١) قلتُ: وفي تقرير آخر للشيخِ عندي: أَنَّ الصِّيامَ إنَّما يُؤْخَذُ في كفارةِ المَظَالِمِ وحقوق النَّاسِ، كما هو عند الترمذي، لا في سيئاتِ نفسه، بخلافِ سائر الأنواعِ مِنَ العباداتِ، وحينئذٍ استقام سيَاقُ "المُسنَد" لأحمدَ أيضًا، إلا أن هذا الجواب سمعتُه في دَرْسِ الترمذي، وهو مكتوبٌ عندي على ما فَهِمْتُه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>