للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في تلك القِصة، وفي عامَّةِ الروايات أنَّها نَزَلت قَبْلَها وإنَّما استشهد بها النَّبي صلى الله عليه وسلّم فيها، ففيه مسامحة عندي.

ثُمَّ اعلم أَنَّ آيات الكفَّارة ثلاث {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: ٤٨]. والثانية: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]. والثالثة هذه.

ففي الأولى بيانٌ لكونِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوب كُلِّها تَحْتَ المشيئةِ، فإِنْ شَاءَ غَفَرَها، وإنْ شاء عاقب عليها، وفي الثانية ذِكْرٌ لإِنعامه، وإخبَارٌ بِفَضْلِهِ، ووعدٌ منه بِمَغْفِرَة السيئات لِمن اجتنب الكبائر، وليس في التعليق ما يُفيد المعتزلة كما وهم، فإِنَّها سِيقَتْ في الوعدِ دون الإِمكانِ، أَمَّا الإِمكانُ فقد عُلِمَ مِنَ النَّص الأَوَّل.

فَعُلِمَ أَنَّ مَغْفِرَةَ الذُنوبِ كُلُّها ممكِنة ولكنَّها تحت مشيئتِه تعالى؛ وأَمَّا الوعد ففي صورة الاجتنابِ عَنِ الكبائِر لا أَنَّها مستحيلة عند عَدَمِه؛ وأَمَّا في الثالِثَةِ فتنبيه على سبب خاص لها وهو أَنَّ الحسناتِ أَحَد أسبابِ المَغْفِرَةِ للسيئات. وفي قوله: إلا اللمم أيضًا إشارة إلى الوعد بمَغْفِرَةِ الصَّغَائر، فهذا نوعٌ آخر، ووعدٌ آخر، وراجع لِكَفَّارَة الصَّغائِر والكبائِر «عقيدة (١) السَّفَارِيني»، ثُمَّ إنَّ في الزيلعي «شرح الكنز» أَنَّ القُبلة صغيرةٌ، قلت: ولي فيه تردد (٢).

٥ - باب فَضْلِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا

٥٢٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ


(١) قلتُ: وفيه كلامٌ طويلٌ على المسألةِ لا يمكن الإِتيان بجميعه في ذلك المختصر، غير أنَّه نَقَلَ عن سَلْمَان الفارسي شيئًا لطيفًا جدًا -فأنا آتِيكَ به- قال سلمان الفارسي: الوضوءُ يُكَفِّر الجراحات الصغائر، والمشي إلى المسجد أكبر مِنْ ذلك، والصَّلاةُ تُكَفِّر أكْبَر مِنْ ذلك. خَرَّجه محمد بن نَصْرِ المَرْوزي ولعَمْري هو كلامٌ حسن جدًا.
ثمَّ نَقَل عن الحافظِ ابن رَجب: أَنَّ قومًا مِنْ أَهْلِ الحديث قد ذَهَبُوا إلى أَنَّ هذه الأعمال تُكَفِّر الكبائر منهم أبو محمد عليُّ بنُ حزم، وقد وَقَعَ نحوه في كلامِ ابنِ المُنْذِرِ في قيام ليلة القدر. قال: يُرْجى لِمَنْ قامها أَنْ يَغْفِر له جميعَ ذنوبِه كبِيرَها وصغيرَها. ثم رد على هؤلاء وأطال فيه فراجعه من ص ١٨ ج ١ عقيدة السَّفَارِيني.
(٢) قلتُ: وههنا كلام لطيف للشيخ محمود الحسن الشهير بشيخِ الهند رحمه الله تعالى ونَوَّر الله ضريحه، أَذْكُره إتحافًا للناظرين قال. في آية: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}: أنَّ التكفيرَ ههنا راجعٌ إلى مقدماتِ تلك الكبيرة، فالكبائر هي الغايات والمقاصد. أَمَّا المقدِّمات لها أو الوسيلة إليها التي لا تراد لنفسها، فهي الصَّغَائِر فمعنى الآية: أيُّها النَّاس إِنْ تجتنبوا عن الكبائِر خشيةً مِنْ رَبِّكم نكفِّر عنكم ما فَرَّطتُم في تمهيداتِ تلك الكبائر مِنَّةً منَّا.
قلتُ: وعلى هذا أمكن أَنْ تَكُون القُبلة كبيرة تارة وصغيرة أخرى، فإن كان المقصودُ هي، فهي كبيرة، وإن كانت مقدمة الزِّنَى والعياذ بالله فلعلها تكون صغيرة، ثم إِنَّكَ تَعْلَم أَنَّ تَفْصِيلَ الصغيرة والكبيرة فيما لم يُصِرّ عليها، أَمَّا إذا أَصرَّ وتَهَوَّر فكل صغيرةٍ تصيرُ كبيرة، فما في الزَّيْلَعي محمولٌ على صدورِها اتفاقًا، لا عَنْ عمدٍ، وكنتُ راجعتُ فيه عن شيخي رحمه الله تعالى ثم نسيت جوابه، وأمكَنَ أَنْ يكونَ هذا هو مرادَه إلا أني لم أنسبه إليهِ لأنّي لا أَذْكُره الآن. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>