للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالصَّلاةِ» فأخبر المُغِيرَة في حديثه هذا، أَنَّ أَمْرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم بالإِبرادِ بالظُّهر بعد أَنْ كان يُصلِّيها في الحرِّ. وفي «التلخيص الحبير» أنَّ الترمذي سأل البخاري عن حديث المُغِيرة فصححه، فَعُلِم أَنَّ الإِبرادَ هو الآخر فالآخر مِنْ فِعْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وما احتجوا به مِنْ أحاديث التعجيل، إمَّا منسوخٌ أو محمولٌ على الشتاء، لِمَا روى أنسُ بنُ مالكٍ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم إذا اشتدَّ البردُ بكَّر بالصَّلاةِ، وإذا اشتدَّ الحرُّ أبردَ بالصلاةِ ومثلُه عن أبي مَسْعُود.

قال الطحاوي: وهكذا السنَّة عندنا في صلاةِ الظُّهر على ما يذكُرُهُ ابنُ مسعود، وأنس رضي الله عنه من صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأَخْرَجَ أبو داود عن الأسودِ أَنَّ عبدَ الله بنَ مسعود قال: كانت قَدْر صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم في الصيفِ ثلاثة أَقْدَام إلى خمسة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام. انتهى.

وأوَّلَه الخَطَّابي فحمله على اختلاف الفُصولِ (١)، فقال: وأمَّا الظِّل في الشتاء، فإِنَّهم يذكرون أَنَّه في تشرين الأول (٢)، خمسة أقدام وشيء، وفي كانون سبعة أقدام أو سبعة أقدام وشيء؛ فمعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه عنده: أَنَّ قَدْرَ صلاتِه صلى الله عليه وسلّم في الشتاء خمسةُ أقدام إلى سبعةِ أقدام، يعني به خمسة أَقْدَام في تشرين الأول وسبعة أقدام في كانون. وهو عندي محمول على التَّارَات والأحيان دون الفُصول، فتارةً صلاها على الخمسة، وتارةً على السبعةِ ولو في فَصْل. والله تعالى أعلم.

١٠ - باب الإِبْرَادِ (٣) بِالظُّهْرِ فِى السَّفَرِ

٥٣٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِى تَيْمِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «أَبْرِدْ». ثُمَّ أَرَادَ أَنْ


(١) وقال الخلَّال في "عِلَلهِ": عن أحمد: آخرُ الأمرين مِنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الإِبراد. اهـ. ثمَّ العجب ممَّا عنده على ص ٥٢٦ ج ٢ قال ابن بزيزة: "ذَكَر أهلُ النَّقْلِ عن مالك أنَّه كَرِه أَنْ يُصلَّى الظهر في أول الوقت، وكان يقول: هي صلاة الخوارج أهل الأهواء. وحكَى أبو الفرج عن مالكٍ أولُ الوقتِ أفضلُ في كل صلاةٍ إلا الظُّهر في شدة الحر. اهـ.
(٢) وتمام أسماء تلك الأشهر هكذا: كانون الأول، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، أيار، حزيران، تموز، آب، أيلول، تشرين الأول، وتشرين الثاني، وكانون الأول هو ديسمبر من الأشهر الشمسية، وكذا كانون الثاني هو [[يناير]] وهكذا إلى آخر الأشهر.
(٣) قال العلامةُ العيني رحمه الله تعالى: قال بعضُهم حديث خَبَّاب منسوخٌ بالإِبراد، وإلى هذا قال أبو بكر الأَشْرَم في كتاب "النَّاسخ والمنْسُوخ" وأبو جعفر الطَّحاوي، وقال: وجَدْنَا ذلك في حديثين: أحدهما: حديثُ المُغيرة كنَّا نُصلِّي بالهَاجِرَة فقال لنا - صلى الله عليه وسلم -: أَبرِدوا - فتبين بها أَنَّ الإِبراد كان بعد التَّهْجِير. وحديثُ أنس رضي الله عنه: إذا كان البردُ بكِّروا، وإذا كان الحرُّ أبْرِدُوا، وحَمَل بعضُهم حديثَ خَبَّاب على أَنَّهم طَلبوا تأخرًا زائدًا على قَدْرِ الإِبراد.
وقال أبو عمر في قول خَبَّاب فلم يشكنا يعني لم يحوجنا إلى الشكوى، وقيل: لم يزل شكوانا ويقال: حديثُ خبَّاب كان بمكة، وحديثِ الإِبراد بالمدينة، فإِنَّ فيه مِنْ رواية أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>