للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥٢ - قوله: (وُتِرَ أهلَهُ (١) ومالَهُ) والموتور: هو الذي قُتل له قَتيلٌ فلم يُدْرِك بقصَاصِه ولا دِيَتِهِ. ثُمَّ قيل: ما وجه تخصيص الوتر بالعصر؟.

وأجيب: بأنَّه لا اختصاصَ به، والحديثُ قد وَرَدَ في كلها في مواضعها، ويمكِنُ أَنْ يكونَ خَرَجَ على جوابِ سائلٍ، فلا يَدلُّ على التخصيصِ. قال شارحُ الجامعِ الصغير للسيوطي (٢): إِنَّ الجماعةَ آكد في الفجر والعشاء، لكونِهما أَثْقَلُ الصَّلواتِ على المنافقين، وإِن العصر أفضلُها، وحينئذٍ يَظْهَرُ وجه التخصيص، ولابِدْعَ في تفاوت مراتب الفرض مع تساويها في وَصْفِ الفَرْضِيَّة كالجمعة، فإِنَّها آكد الفرائض كما صَرَّح به ابنُ الهُمام في «الفتح» وقد مرَّ.

قلتُ: وأصابَ هذا القائل إلا أنَّه متأخر، ومثل هذا الدعوى ينبغي أَنْ ينقل من المتقدمين. ثُمَّ لا أَدْرِي أَنَّ الوعيد في فواتِ العصر لكونها أَفْضَل الصلوات كما قال هذا القائل، أو لكونِ وقْتِها مشتملا على الوقت المكروه؟ وأمَّا البخاري فلم يَحْكُم بكونها أفضل الصَّلوات وبوب بفضلها فقط، فقال: باب فضل صلاة العصر.

١٦ - باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ

٥٥٣ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِى غَزْوَةٍ فِى يَوْمٍ ذِى غَيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». طرفه ٥٩٤ - تحفة ٢٠١٣

فَرْقٌ بين الفوات والترك: فالفوات ما لم يَكُن عن عَمْدٍ، والترك ما كان عمدًا، ولذا عُوقِبَ به بحَبْط العمل، فالحَبْط مِنْ المصائبِ التي جاءت على عمله، والوترُ من وارادات الخارج.


(١) قال الطحاوي: فكأَنَّ معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ" بمعنى كأنَّما نقص أهله وماله من قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٥] أي ينقصكم أعْمَالكم، وكذلك حدثنا وَلَّاد النحوي عن المصادري عن أبي عبيدة وفي ذلك ما قد دلَّ أَنَّه لم يكن بذلك كافرًا وإن كان ما قد نَقَصَهُ من ذهاب إيمانه أكثر مما نَقَصَهُ من ذهاب أهله وماله، وكان القصد إلى ذكر ذلك لا إلى ذكر أهله وماله. وبالله التوفيق. "مشكل الآثار". وقال الخطَّابي: معنى وُتِرَ: أي نقِصَ أو سُلِبَ فبقي وترًا فردًا بلا أهل ولا مال، يريد فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله "معالم".
(٢) وللجامع الصغير ثلاثة شروح:
الأول: للملا عبد الرؤوف الشهير بالسِّراج المنير وهو في ثمان مجلدات، وقد جاء مجلد منها مطبوعًا إلينا.
والثاني: للعلْقَمي. والثالث: للعزيزي، وكون العصر أفضلها وكذا كون الجماعة آكد في العشاءين في الأخير منها. قلتُ: أما كون الجماعة آكد في العشاء فلعلَّه أَخَذَهُ من حديث عند أبي داود في تخلف المنافقين عن الجماعة، أَنَّهم لو وجدوا مرماتين حسنتين لحفروهما -بالمعنى- فكأنَّ الآكدية لهذا. كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز عن الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>