للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم إنَّه فَرْقٌ بين التجلِّياتِ ونحو الوجه واليد والعين، لأنَّ التَّجلِّيات صُوَرٌ مخلوقة - أُقيمت بين العَبْدِ وربهِ، لتعريفه إياه - وآثارٌ لأفعاله، بخلافِ الوجهِ وغيرِه، فإِنَّها من مبادىء الصفاتِ، وليست منفصلة عنه انفصال التجليات. وإنَّما عبَّر عن تلك المبادىء عن ألفاظٍ مختلفة، لاختلاف أفعالها فيما بعد، فَوَضَعَ لها أَلفاظًا كذلك تنبيهًا على هذا المعنى، وهي في الحقيقة من متعلَّقات الذات لا مغايرة عنها. وسمَّاها البخاري شؤونًا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.

ومن ههنا تبين أَنَّ الاهتمام بها إِنَّما هو لكونِها دخيلا في رؤيتِه تعالى، وعند الدارقطني وقوَّاه أَنَّ النساء تحصل لهن الرؤية في العيدين، ولذا أُمِرْن أن يَحْضُرْنَ العيدين، وهو معنى قولها: «أليست تَشْهَدُ عرفة» تعني به أَنَّ المقصودَ بحضورهنَّ المُصلِّى هو الشهودُ فقط كما في عرفة، وفي (١) الأحاديث أَنَّ بعضهم يَرَى ربه في هذين الوقتين كل يوم (٢).

٥٥٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». أطرافه ٣٢٢٣، ٧٤٢٩، ٧٤٨٦ - تحفة ١٣٨٠٩ - ١٤٦/ ١

٥٥٥ - قوله: (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل) ... الخ. وهو على حد قولهم: أكلوني البراغيث. فالواو علامة للجمع، وليست ضميرًا، والعُقْبَة، أي النَّوبة.

واختلف في أَنَّهم الحفظة أو السَّياحون، والطوافون في الأرض، والذين يَطْلُبون مجلس الذكر. فإِنْ قلتَ: وليس فيه ذِكْرُ الطائفة الأخرى، الذين جاءوا في العصر.

قلتُ: وهو موجودٌ مفصلا عند النَّسائي، واختصره الراوي ههنا، وراجع رواية الصحيح لابنِ خزيمةَ، ففيه ذِكْرُ السؤالِ مِنَ الطائفة الأخرى أيضًا، فلا يُقال: إنَّه لِمَ اقتصر فيه على سؤالِ الذين باتوا دون الذين ظلُّوا. وسياقه على ما أخرجه الحافظُ رحمه الله تعالى في «الفتح»:


(١) وفي الجامع الصغير: أنَّ الله تعالى يَتَجَلَّى لعبادِهِ المقرَّبين كلَّ يومِ مرتين، وفيه أنَّه يتلو عليهم القُرآن. -بالمعنى- وصححه السيوطي على الهامش، ودَلَّت القرائنُ أَنَّ هذا الحُكم من جانبه، وإذا لم يَبْلُغُ إلينا فيه كلام ممنْ هو أَقْدَم منه، نعتمد بتصحيحه، فإنَّه عالمٌ جليلُ القَدْرِ، وإنْ لم يكُن كالحافِظِ ابنِ حجر رحمه الله تعالى. وعند الترمذي في بابِ سوق أهل الجنة: "إنَّ أَهلَ الجنة يُؤْذَنُ لهمِ بالزيارة في مِقْدَار يوم الجمعة مِنْ أيام الدنيا" الحديث. وأخذتُ منه أَنَّه لذا فُرِضَتِ الجمعة في الدنيا، كأنَّه تذكار لما يجتمعون في الآخرة. وفي "عقيدة السَّفارِيني" عن الدَّارَقُطْني: أنَّ الرؤية للنساء تكون في العيدين، إلا أني لم أجده في الدَّارَقُطْني في نسخة بأيدينا، وله نسختان فلعله يكونُ في الأخرى. وهكذا يكونُ في النقول عن النَّسائي، فإنَّ الحديث قد يكونُ في الكبرى، والنَّاسُ يطلبونَهُ في الصغرى، فإذا لم يجدوه تَحَيَّرُوا. كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز عن الشيخ.
(٢) وعند الترمذي في باب رؤية الرَّبِّ تبارك وتعالى في حديث ثُوَيْر: "وأكرمهم على اللهِ من يَنْظُر إلى وجهه غدوةً وعشيًا". وفي رواية جرير: "فإِنِ استطعتُم أَلَّا تغلبوا على صلاةٍ قَبْل طُلوعِ الشمسِ وصلاة قبل غروبها فافعلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>