للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّلاةَ كما تَحَقَّقت الفجر كانت بمزدلفة ثُمَّ عدَّها ابنُ مسعود رضي الله عنه في غير وَقْتِها فلا تكون مأمورًا بها مع أَنَّا أُمِرْنا أَنْ نُسْفِرَ بها فالإِسفار هو وَقْتُها على نصِّ الحديث، وهي عند تَحقُّقِ الفجرِ في غير وَقْتِها على ما ذَكَرَهُ ابنُ مسعود رضي الله عنه، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّلاة عند تَحقُّق الفجرِ صلاة في غيرِ وَقْتِها (١).

قال النَّووي: وقد يَحْتَجُّ أصحابُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى بهذا الحديث على منعِ الجمعِ بين الصَّلاتين في السفر، لأنَّ ابنَ مسعودٍ رضي الله عنه قد أَخْبَرَ أنَّه ما رآهُ يَجْمَعُ إلا في هذه الليلة، ثمَّ رَدَّ عليه من وجوه منها أَنَّه متروكٌ الظَّاهِر بالإِجماع، لأنَّه لَمْ يَذْكُر الجمع بعرفة أيضًا مع أَنَّه مُجْمَعٌ عليه، ونَقَلَ الحافظُ رحمه الله تعالى رَدَّ النووي وسكت عليه.

قلت: والجمعُ بعَرَفة أيضًا مذكورٌ عند النَّسائي قال كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلّم يصلِّي الصَّلاةَ لوقْتِها إلا بجمعِ وعَرَفات، فإِنْ كان خَفي على النَّووي فكيف خَفي على الحافظ.

ثم إنَّه نيطت بالإِسفار أَعْظَمِية الأجْرِ، فقال في موضعِ التعليلِ فإِنَّه أعظمُ للأجرِ والصَّلاة قَبْل التحقُّقِ باطلة (٢) فضلا عن حصولِ الأَجْرِ لتحصُلَ بعد التحقُّقِ أَعْظَمِية. وفي رواية النَّسائي «كُلما أَسْفَرْتُم، فدَلَّ على مراتب الإِسفار في أَجْزَاءِ يوم واحد، وأَخْذ التكْرَارِ بحَسبِ الأَيَّام بعيدٌ، وعن يزيد الأَودي عند الطحاوي رحمه الله تعالى، قال: كان علي بن أبي طالب كَرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ يُصَلِّي بنا الفجرَ ونحن نَتَرَاءَى الشمس؛ مَخَافَةَ أن تكون قد طلعت. وعن عَليّ بنِ رَبيعة قال: سمعتُ عليًا رضي الله تعالى عنه يقول: يا قنبر أَسْفِر أسْفِر. ومثله عن عمرَ بنِ الخطاب أنَّه كان يُنَوِّر بالفجر. كيف لا وقد أُمِرَ أَنْ يُسْفِرَ بالفجر، وراجعه بأسانيده عند الطحاوي، وعنده عن إبراهيم قال ما اجتمعَ أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلّم على شيء ما اجتمعوا على التَّنوير، وهو مَحْمُولٌ عندي على بدايتِهم في التَّغْلِيس ونهايتُهُم في الإِسفارِ، كما حملُهُ الطحاوي فافهم.


(١) قلتُ: وما عند الطحاوي صريحٌ فيه قال: سَمعتُ عبدَ الرحمن بنَ يزيد يقول: حجَّ عبدُ الله فأَمَرني عَلْقَمَة أَنْ ألزَمَهُ فلمَّا كانت ليلة مزدلفة وطَلَعَ الفجرُ، قال: أَقِم فقلتُ: يا أبا عبدِ الرحمن إنَّ هذهِ الساعة ما رأيتُك تُصلِّي فيها قط، فقال: إنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُصلِّي هذه يعني هذه الصَّلاة إلا هذه الساعة في هذا المكان، مِنْ هذا اليوم، قال عبد الله: هما صلاتان تحولان عن وَقْتِهما: صلاةُ المغرب بعدما يأتي النَّاس من المُزْدَلِفة وصلاةُ الغَدَاة حين ينزع الفجر، رَأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ ذلك وفيه أن الصَّلاةَ عَقِيب الطُّلوعِ كانت غير معروفةٍ عندهم، حتى سَأَلَ عنها - وفيه أَنَّهما تَوَافَقَا على أَنَّ صلاتَهُ في هذا الوَقْتِ متحولة عَنْ وَقْتِها في سائر الأيام.
(٢) وقد أجاب عنه الخَطَّابِي فقال: وإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَستقِيم هذا ومعلومٌ أنَّ الصَّلاةَ إذا لم يَكُن لها جَواز لم يكُنْ فيها أجْر. قيل: أَمَّا الصَّلاة فلا جواز لها، ولكِنْ أَجْرُهم فيما نَوَوْهُ ثابتٌ، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر"، ألَا تَرَاهُ قد بَطَل حُكمه ولم يَبْطُل أجرُهُ وقيل: إنَّ الأمرَ بالإِسفار إنَّما جاء في الليالي المقمرة وذلك أَنَّ الصُّبح لا يتبينُ فيها جيدًا، فَأَمَرهُم بزيادةِ التبيين استظهارًا باليقينِ في الصَّلاةِ "معالم".
قلتُ: وإنَّما نقلتُ هذه السُّطور لِتَعْلَم اضطرابَهم في هذا الحديث وعجزَهم عَنِ الجوابِ، فإنَّ الجوابَ المذكورَ ليس تأويلًا ولا صرفًا، والله تعالى أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>