للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليكون الردُّ بمعنى إعادتها فيه، بل بمعنى أنها كانت تعطَّلت عن أفعالِ اليَقْظان، فلم تقدِر أن تُوقِظَ أحدًا وتحفظَ ما يحفظه ولكن الله سبحانه إذا ردَّها عليه، شُغِلت فيما تُشغل فيه أرواح الناس في اليقظة، وقَدَرَت على ما كانت تَقدِرُ عليه من قبل. فهذا هو حقيقته إن شاء الله تعالى، فذقه واحفطه في وعائك، وأَشْرِكْنَا في دعائك.

أما الفرقُ بين الروح والنفس، فألطف ما وجدته في كلام السُّهيلي، وَنَبْذَة منه: أنه شيءٌ واحدٌ تغايرت أسماؤه بتغايُرِ صفاته، فيُسمَّى روحًا باعتبار تجرُّدِه، ويسمَّى نفسًا باعتبار تعلُّقِه بالبدن، واكتسابه المَلَكات الردية كالماء، فإنَّه ماءٌ ما دام في الخارج، وإذا تشرَّبته الشجرةُ، فتغيَّرت أوصافه، يُسمَّى باسمٍ آخر، حتى لا تبقى له أحكام الماء، ولا يجوز به الوضوء.

قوله: (فلمَّا ارتفعت الشمسُ وابْيَاضَّتْ)، ولعلَّك تدري وتَفْهَمُ أنه لماذا ارتقب الارتفاع والابيضاض، ولم يُصلِّها إذا ذكرها، وما ذاك إلا أنه قد تواتر النهيُّ عن الصلاة حتى ترتفعَ الشمس. فهذا قولُهُ، وذاك فعلُهُ، فانظرهما، وفَكِّر في لفظ الابيضاض ماذا يُفيد؟ وأَصْرَحُ منه ما عند الدَّارَقُطْنِي: «حتى إذا أَمْكَنَنَا الصلاة». ثم ارجع إليه البصر كرتين لا يُفيدكَ إلا أنهم قبل الارتفاع لم يكونوا في مُكْنَة الصلاة، فلم يُصَلُّوها، فإن احْتَالُوا بأنه كان هناك واديًا حَضَرَ فيها الشيطان، فتنحَّوا عنها لذلك، فقل لهم: إنه لو كان هذا هو المؤثِّر، لكان حقّ العبارة أن تكون هكذا: «فلما زِلْنَا عن مكان الشيطان، وبعُدَ الشيطانُ عنا»، لتكون إشارة إلى وجه التنحِّي. ولا تجده ولا مثله في لفظٍ.

ثم هل المسألةُ عندك أن لا يُصَلِّي في كل مكان فاتتك الصلاة، أو سوَّيْتَها لجوابنا فقط. ثم مالك تَتَبَاعَدُ عن مكان الشيطان وتتقارن بزمانه، فإنه كنتَ تريدُ أن تقع عبادتك في حيَّز مرضاة الله، فاجتنب عن مكانِهِ وزمانِهِ جميعًا. ولا تدع الشيطانَ يفرحُ من عبادتك حين تَسْجُد وهو قائم بين يديك، فـ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦] ولعلّك تَفْهَمُ الآنَ أنه كان يتحرَّى أن يَخْرُج وقت المكروه، فلذا إذا ارتفعت الشمسُ وزُحزحت عنها الصُّفْرة، وجد مُكْنَة للصلاة فصلاها.

وفي كتاب «الآثار» لمحمد رحمه الله تعالى: وليس في غيره أنه جهر فيها أيضًا، وهو المختار عندي. هذا ما سمعت في الفجر. فإن شئتَ أن تَعْلَمَ حال العصر وأنه هل يُصلِّيها إذا ذكرها ولو عند الاصفرار، فراجع «الصحيح» لمسلم حتى يتبينَ لك شرحُ قوله: «لا صلاةَ بعد الفجر حتى تَطْلُع الشمس، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تَغْرُبَ الشمس» بجزئيه من قِبَلِ صاحب الشرع.

فعند مسلم في باب الصلاة الوسطى صلاة العَصْر، عن عبد الله قال: «حَبَسَ المشركونَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن صلاةِ العصر حتى احمرَّت الشمس أو اصفرَّت». وعند البخاري في باب من

<<  <  ج: ص:  >  >>