للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إعلامه أهم، فَقَلَّبْتُ لذلك دفاترَ، حتى وجدت اسمه في «الأدب المفرد»، وقد وقع لي مثله كثيرًا. نعم لا يُقْتَنَصُ العلم براحة الجسم (١).

٢٩ - باب وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.

اختار الوُجُوبَ، ولنا فيها قولان: الأول: أنها سنةٌ مؤكَّدةٌ، والثاني أنها واجبةٌ. وقال صاحب «البحر»: إنَّ أدنى الوُجُوب وأعلى السنة المؤكَّدة واحدٌ، فلم يَبْقَ خلاف. بقي أنَّ تَرْكَ السنةِ: عِتَابٌ، أو عِقَابٌ، فلا أَدْخُلُ فيه، وقد مرَّ بعضُ الكلام فيها.

وعند الشافعية أيضًا قولان: فقال بعضُهم: فرضُ كفاية، وقال آخرون: سنةٌ موكَّدةٌ.

وهكذا عند أحمد رحمه الله تعالى قولان: ففي قولٍ: فرضُ عينٍ وشرطٌ لصحة الصلاة، وفي آخر: ليست بشرطٍ للصحة، مع كونها فرضُ عينٍ. والمشهور بيننا من مذهبه: أنها واجبةٌ.

والخلافُ في الحقيقة راجعٌ إلى نَظَرٍ معنويَ، وهو أنه قَلَّما يكون فرضٌ من الفرائض إلا تَتَطَرَّقُ إليه الأعذار، أَلا تَرَى أن الجماعةَ قد وَرَد فيها الوعيدُ على تاركها، ثم جاءت فيه الرخصةُ بأمورٍ يسيرةٍ، كحَضْرَة الطعام وغيرها. فَيَتَعَسَّرُ الحكم في مثله، فيجيءُ واحدٌ من المجتهدين، ويُلاحِظُه مع تلك الأعذار، ويَحْكُمُ على المجموع، فلا يُمْكِنُه الحكمَ بالوُجُوبِ والافتراض، لأنه إذا دَخَلَت تلك الأعذار في نظره، وحكم مُلاحِظًا إياها، فقد ثَبَتَ تَرْكُهَا، فانحطَّ عن مرتبة الفرض، وَنَزَل إلى النِّيَّة. ومن قَطَعَ نظرَه عن تلك الأعذار، ولاحَظَهُ من حيث هو هو، ورَاعَى الوعيدَ الواردَ فيه، لم يُمْكِنْهُ أن يَحْكُمَ عليه إلا بالافتراض، ثم جعل له أعذارًا من الخارج.

وهذا كالمُحَال بالذات وبالغير عند المعقوليين، فمن لاحظ هذا الغير مع الشيء أمكنه أن يَحْكُمَ على المجموع بكونه مُحَالا بالذات، لأن الغيرَ إذا لُوحِظَ في مرتبة ذاته، وحُكِمَ بعد اعتباره حكمًا على المجموع من حيث المجموع، صَحَّ أن يَحْكُمَ عليه بكونه مُحَالا بالذات. ومن لاحظ ذاتَ الشيء التي هي ذاته، وقطع النظر عن هذا الغير الذي هو سبب الاستحالة، لم


(١) حكايةٌ مفيدةٌ للطلبة تَحُضُّهم على طلب العلم رأيتها في تقرير الفاضل عبد العزيز، قال الشيخ رحمه الله تعالى: إِني كنتُ رأيتُ رسالة بدُيوبند حين إقامتي بها لبعض المُدَّعيين العمل بالحديث، وكان فيها حَوَالة على "خلافيات البيهقي"، وكانت الرسالةُ لرجلٍ، من "سامرود كورة من مضافات سورت"، فأمرت أحدًا من الطلبة أن يذهبَ إلى سورت على نفقتي ويُطالِعَ الكتاب المذكور، فلمَّا رَجَعَ، قال لي: إن الكتابَ موجودٌ، إلا أنه ناقصٌ من أوله وآخره، فقلتُ له: من أيِّ بابٍ إلى أيّ بابٍ هو، فلم يَدْرِ ما يقول، فَتَأَسَّفْتُ وتَحَيَّرْتُ أنه قَطَع له مسافةً طويلةٌ، ثم لم يَصْنَعْ شيئًا، غير أني كتمته في نفسي ولم أقل له شيئًا. ثم بَعَثتُ رجلًا آخر، فجاءني بخبره كما أريدُ، ثم اتفق أني وردت بدابهيل كورة من مضافات سورت، فَطَلَبْتُ هذا الكتاب وطالعته. فقد كَابَدْتُ لمسألةٍ واحدةٍ مثل ذلك والناس اليوم في راحةٍ ليس لهم همٌ إلَّا أنفسهم، ويريدون أن يَحْصل لهم كل شيءٍ. تلك أمانيهم، فإن العلمَ لا يُعْطِيكَ بعضَه، حتى تُعْطِيَه كُلَّك.

<<  <  ج: ص:  >  >>