للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومدلوله، ولا تُبقي له علاقه بها، مع أن الحديث عام قطعًا، فإن المعاصي مذكورة في آخر الحديث صراحةً كما قال: «ومن كانت هجرته إلى دنيا» .. إلخ فعُلِم أن الحديث لم يَرِدْ في الطاعات فقط. على أن صحة الأعمال والطاعات هي كونها بحيث يترتب عليها الثواب فإذا خلت عن الثواب فقد بطلت، فصار مآل تقدير الثواب والصحة واحدًا، فيلزم عليهم ما لزم على من قدَّر الصحة أيضًا.

والتزمه المصنفون إلا أنهم رأوا فيه نفعًا يسيرًا في الجواب عن مسألة النية، فرضوا بهذا النفع اليسير بالضرر الكثير، واختاروا هذا التقدير مع أنه لا يجدي أيضًا كما سيجيء.

وأما الثاني: أي تقدير الصحة فيؤدي إلى تخصيصين أيضًا: الأول بأحكام الدنيا، فإن الصحة اسم لاستجماع الشرائط والأركان، بحيث يَسْقط الفرض عن ذمته، وكذا البطلان نقيضه، وهما من أحكام الفقه والدار الدنيا، وحينئذٍ يقتصر الحديث على أحكام الفقه والدار الدنيا، ولا يَشْملُ أحكام الآخرة. والثاني أن من الأفعال ما لا يقال فيه: صَحَّ أو بَطَلَ، فإن الصحة تجري فيما فيه جهتان، الحِلة والحُرمة، أما الحرام قطعًا أو الحلال قطعًا فلا يقال فيه: إنه صح أو بطل، مثل من قتل رجلًا أو زنى أو سرق، فلا يقال فيه: إنه صَحّ قتله وزِناه وسرقتُه أو بطل. فيكون الحديث ساكتًا عن هذه الأحكام، مع أنه عام لجميع الطوائف كما علمت. على أن الصحة والبطلان بهذا الاصطلاح من المصطلحات الحادثة، ولا ينبغي أن يُحمل الحديث على مصطلحات الفنون، بل يجري على صرافة اللغة، هذا كلام على شرحهم.

أما الكلام على مسائلهم فقال الحنفية: إن النية لا تُشترط في الوضوء، وقالوا بصحته بدونها. والحديثُ واردٌ عليهم، فقال بعضهم: إن الحديث إنما ورد في العبادات دون القُرُبات والطاعات، ونحن نلتزم أن الوضوء بدون النية لا ينعقدُ عبادة. أما أنه لا يصلح لكونه مفتاحًا للصلاة، فلا يدل عليه الحديث أصلًا.

قال الشيخ زكريا الأنصاري: العبادة يشترط فيها النية ومعرفة من يُتقرَّب إليه. والقُرْبة يُشترط فيها معرفة من يتقرب إليه دون النية، كتلاوة القرآن. والطاعة لا يشترط فيها شيء، كالنَّظر الموصل إلى الإسلام.

ثم أقول مراعيًا مسائل الدين إجمالًا: إن الدين مركبٌ من خمسة أشياء: العبادات، والعقوبات، والمعاملات، والاعتقادات، والأخلاق. أما الأخلاق والاعتقادات فالبحث عنهما في فنونهما، والبواقي مذكورة في الفقه.

أما العبادات فالمقصود منها: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج. والنية شرط لصحتها بالإجماع.

وأما المعاملات فأيضًا خمسة: مناكحات، ومعاوضات مالية، وخصومات، وتركات، وأمانات. ولا تُشترط النية لصحتها بالإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>