للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيان إمامته في تلك الأيام، ثم بَدَأَ في ذكرِ ما كان تركه، فقال: «إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم .... الخ، أي: وأنه وإن كان أمره بالصلاة في أوَّل أمره، إلا أنه وَجَدَ بعد ذلك من نفسه خِفَّة، فَخَرَجَ إليهم وخَطَبَهم، أمَّا خروجه إليهم، فكما مرَّ في البخاريِّ: «أن أزواجه إذا صَبَبْنَ عليه القِرَب، أشار إليهن: أن قد فَعَلْتُنَّ، ثم خرج إلى الناس». ويُتَبَادَرُ منه أيّ تبادُرٍ أنه خرج في تلك الصلاة، لا خروجه في صلاة ظُهْرٍ من السبت أو الأحد.

وأمَّا خطبته إياهم، فكما أخرجه البخاري قُبَيْل باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ} [البقرة: ١٤٦] الخ: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه بِمِلْحَفَة، وقد عَصَّبَ رأسه بعِصَابة دَسْمَاء، حتى جَلَسَ على المنبر، فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عليه، ثم قال: أمَّا بعدُ - إلى أن قال - فكان آخر مَجْلِس جَلَسَ فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم.

٦٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِىُّ قَوْلُهُ «إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». هُوَ فِى مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. أطرافه ٣٧٨، ٧٣٢، ٧٣٣، ٨٠٥، ١١١٤، ١٩١١، ٢٤٦٩، ٥٢٠١، ٥٢٨٩، ٦٦٨٤ تحفة ١٥٢٩

٦٨٩ - قوله: (إن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلّم رَكِبَ فَرَسًا، فَصُرِعَ عنه فَجُحِشَ شِقُّه الأيمنُ). وأعلم أن واقعةَ الجُحُوش في السنة الخامسة، كما نُقِلَ عن ابن حِبَّان وسَهَا الحافظُ حيث زَعَم أنها في التاسعة، وإنما حَمَلَه على ذلك تعبيرُ بعض الرواة فقط، حيث يَذْكُرُون قصة الجُحُوش وقصة الإيلاء في سياقٍ واحدٍ. وقصة الإيلاء عندهم في التاسعة، فجَعَلَ الحافظُ تلك أيضًا فيها، مع أن الراوي إنما جمعها مع الإيلاء لجلوسه فيهما في المَشْرُبَةِ، وقد تنبَّه له الزيلعي. ويقضي العجب من مثل الحافظ، كيف حَكَمَ به بمجرد هذا الاشتراك، مع أن الرُّوَاة يُصَرِّحُون أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يُصَلِّي في مَشْرُبَتِهِ في قصة الجُحُوش، وأين كان له أن ينزل منها، فإِنه كان شَاكِيًا فيها، بخلافه في قصة الإيلاء.

ثم اعلم أنهم تكلَّموا في زيادة: «وإذا قرأ فأَنْصِتُوا»، فأراد بعضُهم أن يتردَّد فيه، مع أن مسلمًا صحَّحه. وصحَّحه جمهور المالكية والحنابلة، ولم يتأخَّر عن تصحيحه إلا من اختار القراءة خلف الإِمام، فأتى فِقْهه على الحديث، لا الحديث على فِقْهه. والذي يَرِيبُهم فيه: أن بعضَ الرُّوَاة لا يذكرونه في أحاديث الائتمام، فظنُّوه غير محفوظٍ، وكَشَفْتُ عن هذه المغلطة بِعَوْن الله سبحانه ومَنِّه عليَّ بأن حديث الائتمام قد صدرت عن هذه الرسالة مرتين: مرَّةً في تلك الواقعة، ومرَّةً أخرى في غير تلك القصة بعدها بكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>