للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا أيضًا من فروع القدوة، فجوز عند الشافعية أن يتحوَّل المقتدي إلى الاقتداء. وحملوا هذه الواقعة على أنه لم يَخْرُج عن صلاته، بل تحوَّل إلى الانفراد من خلال صلاته.

قلتُ: وعند مسلم صراحةً: «أنه سلَّم ثم صلَّى لنفسه في ناحية المسجد»، وعلَّل النووي هذا اللفظ. وعندنا لا سبيلَ للخروج عنها إلا بعملٍ مُفْسِدٍ، ولا أثر للنيات، فإن نَوَى المقتدي أن يَخْرُجَ عن الاقتداء، أو نَوىَ المُنْفَرِد أن يتحوَّل إلى الاقتداء، ليس له ذلك، وهما على حالهما كما كان. وإنما السبيل أن يسلِّم، أو يَعْمَلَ عملا يَخْرُج به عن صلاته، ثم يَدْخُل في صلاة أخرى.

٧٠١ - قوله: (قال: كان مُعَاذ يُصَلِّي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم) وعلم أن الكلامَ في صلاة مُعَاذ رضي الله تعالى عنه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وصلاته بقومه طويلٌ يحتاج إلى تَعَمُّل فِكْرٍ، وإمعان نَظَرٍ، وعليه تُبْتَنَى مسألة اقتداء المُفْتَرِض خلف المتنفِّل، واختاره الشافعية. فإن ثَبَتَ أن مُعَاذًا كان يصلِّي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فريضته، ثم كان يصلِّي بقومه أيضًا ثَبَتَ اقتداء المُفْتَرِض خلف المتنفِّل وإلا فلا. ولا يجوز عندنا للتضمُّنِ المُعْتَبرِ بين صلاة الإمام وصلاة المقتدي، وكذا عند أحمد رحمه الله تعالى، وعند مالك رحمه الله تعالى في روايته. وعند الترمذي: أن الإِمام ضامنٌ، فلا بُدَّ أن يكون التضمُّن مُرَاعى.

ثم إن الطَّحَاويَّ ذكر في «شرح معاني الآثار»: أن الفريضة تحتوي على أمرين: ذات الصلاة، ووصف الفرضية، بخلاف النافلة، فليست فيها إلا ذات الصلاة. فإن قلتَ: قد اعْتُبِرَ فيها وصف النفليَّة، فاشتملت على الأمرين أيضًا كالفريضة. قلنا: كلا، فإن النفل وإن كان وصفًا، لكنَّ ذات الصلاة لا تنفك عنه عند الإطلاق بخلاف الفرضية، ولذا يُحْتَاجُ فيها إلى النية الزائدة على نفس الصلاة. فلا تَقَعُ فريضة إلاّ بعد نيتها بخلاف النفل، لأنه أدنى مرتبة الجنس، فَتَقَعُ عليه عند انعدام النية أيضًا.

إذا عَلِمْتَ هذا، فاعلم: أنَّ الإمام إن كان متنفلا فصلاته نصف صلاة المقتدي المُفْتَرِض على الفرض المذكور، والشيء لا يتضمَّن إلا ما هو دونه أو يساويه، ولا يتضمَّن ما فوقه؛ بل يستحيل أن يتضمَّنه، ثم إن ههنا دقيقة أخرى غَفَلَ عنها الناس وغَلِطُوا فيها، حتى وقع فيه بعض من علماء المذاهب الأخرى أيضًا، فيَزْعُمُون أن المذهب عندنا هو التنفُّل دون الإعادة، فيعيدها ويَنْوِي النفل، وإعادة الصلاة بنية النفل هو الذي عَنَوْه بالتنفُّل والمذاهب الأخرى قائلةٌ بالإعادة، أي يصلِّي تلك الصلاة بعينها ولا ينوي النفل، حتى أنهم اختلفوا في أن أيًّا من صلاتيه تقع عن الفريضة: فقال بعضهم: إن الفريضة تَسْقُطُ بأُولى صلاتيه. وقال آخرون: بل تَسْقُطُ بأكمل منهما، ولا يُحْكَم على إحداهما بتًا، كما في «الموطَّأ» عن ابن عمر رضي الله عنه لمَّا سُئل عن ذلك فوَّضه إلى الله.

الحاصل: أن الحنفية عامتهم يُعَبِّرُون في صلاة مُعَاذ رضي الله عنه أنها كانت نافلة خلف

<<  <  ج: ص:  >  >>