للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المواضع كلِّها. ثم في كُتُب الحنفية: إنه فرضٌ عند أبي يوسف رحمه الله تعالى، وواجبٌ عندهما. وهذا يَدُلُّ على ثبوت الخلاف بين أئمة الحنفية، ولم يتحقَّق عندي بينهم خلافٌ، لأن الطحَاويَّ لم يَذْكُر فيه خلافًا، بين أئمتنا، مع كونه أعلم بمذهبنا.

وفي «البدائع» عن أبي حنيفة لمن تَرَكَهُ: أخشى عليه أن لا تَجُوزَ صلاته، فدَلَّ على عناية الإمام بالتعديل جدًا. فمن نَسَبَ إلينا أن معاشرَ الحنفية لا يُبَالُون به، فقد أتى ببهتانٍ عظيمٍ. والذي ظَهَرَ لي: أن لا خلافَ في المسألة أصلا، فإن التعديلَ بقدر انقطاع الحركة الانتقالية فرضٌ عندنا أيضًا، وهذا هو الذي يعني الشافعية بركنيته، وقدر تسبيحةٍ واجبٌ، وبعد ذلك فهو سنةٌ، وإذن لم يَبْقَ بيننا وبينهم خلافٌ. ثم اعلم أن الأدعيةَ في القَوْمة وردت في «الصحيحين». وأمَّا في الجِلْسَة، فمذكورةٌ في «السنن» مع مناقشته فيها، فدَلَّ على خِفَّة أمرها في الجلْسَة بالنسبة إلى القَوْمة. وهي فريضةٌ عند أحمد في الجِلْسَة، وأقلُّها أن يقولَ: اللهم اغفر لي. قلتُ: وينبغي الاعتناء بها للحنفي أيضًا، لأن الركوعَ والسجودَ لا يأتي فيهما التقصير، لمكان تلك الأذكار الموضوعة فيها، بخلاف القَوْمة والجِلْسَة، فإن التقصيرَ يأتي فيهما كثيرًا. ولذا أقول باعتناء الأذكار فيهما أيضًا.

٨١٨ - قوله: (قال أيُّوبُ: كان يَفْعلُ شيئًا لم أَرَهُم يَفْعَلُونَه: كان يَقْعُدُ في الثالثة أو الرابعة) فيه دليلٌ على خُمُول جَلْسَة الاستراحة وقلَّتها جدًا. ومع ذلك ثَبَتَت في الروايات، وصرَّح الحلواني بجوازها، ومن صرَّح منها بالكراهة، فلْيَحْمِلْها على تطويلها على القَدْر المُعْتَاد، وإلا فهو مخالفٌ للحديث.

قوله: (لَمْ أَرَهُمْ)، وفيه دليلٌ على شِدَّة خمول جِلْسَة الاستراحة، فإن القائلَ تابعي لا يَنْقُلُ إلا من عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين. وهو حُجَّةٌ قاطعةٌ عندي لنفي جِلْسَة الاستراحة، لأن أقوى الحُجَجِ عندي: هو التوارث والتعامُل، لا سِيَّما إذا كان فيما يَكْثُرُ وقوعه، كَجِلْسَة الاستراحة.

١٤١ - باب لَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِى السُّجُودِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ سَجَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا.

٨٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «اعْتَدِلُوا فِى السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ». أطرافه ٢٤١، ٤٠٥، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٧، ٥٣١، ٥٣٢، ١٢١٤ - تحفة ١٢٣٧

وعند أبي داود وعن ابن عمر: «أن اليدين تَسْجُدَانِ أيضًا». وسجودهما: بأن تكون صاعدةً من الأعلى وخافضةً من الأسفل. وبالافتراش تَنْعَدِمُ تلك الهيئة، فَيَنْعَدِمُ سجودها، وقد مرَّ أن الشرعَ أراد حِفْظَ الصلاة عن الهيئة القبيحة والتشبُّه بالحيوانات، وفي الافتراش ذلك، فإِن الكلبَ يَفْتَرِشُ ويُقْعِي، ولو فعله أحدٌ في التراويح إذا تَعِبَ وَسِعَه ذلك.

واعلم أن المطلوبَ عند الشارع أن يكونَ المصلِّي في صلاته على أعدل حالٍ وأحسن هيئةٍ قال تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] من ههنا حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أن يختار

<<  <  ج: ص:  >  >>