للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأَسْوَدِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَاّ عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ. تحفة ٩١٧٧

وظاهرٌ من هذه الترجمة أن المرادَ من الانصراف في الأحاديث: هو الانصرافُ إلى البيت، سواء كان من جانب اليمين، أو اليَسَار، دون الجلوس بعد الفراغ متوجِّهًا إلى جهة اليمين أو اليَسَار، كما وُهِمَ. وقد مرَّ التصريحُ به عن عليِّ رضي الله عنه عند الترمذيِّ.

قوله: (ويَعِيبُ على مَنْ يَتَوخَّى، أو من يعْمِدُ الانتفالَ عن يمينه) حاصلُه أنه مختارٌ في الانصراف من أيِّ الجانبين شاء انصرف، وقد أجاز الشرعُ بتأديب الزوج زوجته، والأب ابنه. وكذا كلُّ من كان له حقٌّ على تأديب أحدٍ أن يُؤَدِّبه على ترك المستحبِّ أيضًا، ولا ينبغي التأديبُ عليه لغيرهم، وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أكثر ما يَنْصَرِفُ إلى اليَسَارِ، لكون الحُجُرَات في تلك الجهة.

[تنبيه]

واعلم أن القيامَ عند ذكر ميلاد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بِدْعةٌ لا أصلَ له في الشرع وأحدثه ملك الإرْبِل كما في «تاريخ ابن خَلِّكَان»: أنه كان يَعْقِدُ له مجالس، ويَصْرِفُ عليها أموالا. وقد ألَّف ابن دِحْية المغربي كتابًا في الميلاد. وأجازه (١) السيوطي وابن حَجَر رحمهم الله تعالى قياسًا على قوله: «قوموا لسيِّدِكم لسعد بن مُعَاذ رضي الله عنه» حين دعاه أن يقضي في بني قُرَيْظَة.

قلتُ: وهو قياسٌ مع الفارق، فإنه قياسُ أحكام عَالَم الأرواح على عَالَم الأجسام، وقياسُ الموهوم على المُحَقِّق مع مُغَايَرَةِ الأحكام بين العَالَمَيْنِ، فهو قياسٌ مُهْمَلٌ. إلاّ أن البِدْعَةَ


(١) يقول العبدُ الضعيفُ: ولا ينبغي أن يُشَد أن الميلادَ المروجَ بين أظهرنا حرام قطعًا، فإنه يَشْتَمِل على المحرمات الكثيرة، والمعاصي الظاهرة والباطنة: من إضاعة المال وقراءة الروَايات الموضوعة التي لا أصل لها في الدين، وظنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عالم للغيب، بحيث لا يَغِيبُ عن عِلْمِهِ شيء في السماوات والأرضين، فَيَحْضُرُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تلك المجالس، ويَقُومُون عند ذلك، لأنهم يَرَوْنَه حاضرًا وناظرًا إلى غير ذلك من تسويلاتهم الباطلة. وهو الغلو في الدين، وقد نعى الله سبحانه على أهل الكتاب، فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: ١٧١]، ويظُنون أن تعظيمَ النبي في التسوية بين الله ورسوله، تعالى الله عن ذلك عُلُوًا كبيرًا، وما قَدَرُوا اللهَ حق قَدره، مع أنه تعالى يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: ١٤٤] وأين هم من تعظيم الرسول.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ريبَ أنه أفضلُ الخَلق وأحبه وأكرمه على الله، آدم وذريته تحت لوائه، وهو الشافعُ المشفع، وهو صاحب الحوض، وصاحب المقام، وصاحبُ مفتاح الجنة، وهو أولُ من يقَعقِع حلقة الجنة، وهو خطيبهم إذا صَمَتوا وشفيعُهم إذا يئسوا، ولكنه مع ذلك بشر من البشر، مخلوق لله سبحانه، وعبد من عباده، ورسول من رسُله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)} [آل عمران: ٧٩ - ٨٠] فتلك المجالس كلها مجالس البدع، فاحذروها وعليكم بسنة نبيكم، فإنها العروة الوثقى لا انفصام لها. اللهم أَحيِنَا على حبكَ وحُب نبيك، وأَمِتنا على حبكَ، وحب نبيك، واحشرْنَا فيمن يحِبكَ ويحب رسولَك، آمين، ثم آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>