للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «كُلُّكُمْ رَاعٍ». وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ - وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِى الْقُرَى - هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ. وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ - وَأَنَا أَسْمَعُ - يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». أطرافه ٢٤٠٩، ٢٥٥٤، ٢٥٥٨، ٢٧٥١، ٥١٨٨، ٥٢٠٠، ٧١٣٨ - تحفة ٦٩٨٩

ولم يُترجم لهذه المسألة إلا البخاريّ وأبو داود.

واعلم أنّ القرية والمِصْر من الأشياء العُرْفِية التي لا تكاد تَنْضَبِط بحالٍ وإن نُصَّ، ولذا ترك الفقهاء تَعريفَ المِصْر على العُرْف كما ذكره في «البدائع» (١)، وإنما تَوَجّهوا إلى تحديد المِصْر الجامع، فهذه الحدود كلُّها بعد كونها مِصْرًا. فإِنَّ المِصْر الجامع أخصُّ من مُطْلق المِصْر، فقد يَتَحَقَّق المِصْرُ ولا يكون جامعًا. ورأيتُ في عبارة المتقدّمين أنّهم إذا ذَكروا الاخْتلاف في حدود المِصْر يَجعلونه في الجامع، ويقولون: اختلفوا في المِصْر الجامع الخَ، فَتنبّت منه أنّهم لا يَعْنُون به تَعريفَ مُطْلق المِصْر، والنّاس لما لم يُدْرِكوا أمرَهم طَعنوا في تلك الحدود. فمنها ما قال ابن شجاع: إذا كان أهلُها بحيث لو اجتمعوا في أَكبر مساجدهم لم يَسَعْهم ذلك. فقالوا: إنّه يَصْدُق على أكثر القرى ولا يصدق على المسجد الحرام - أعزّه الله وأدام حُرْمَته - فنقضوا عليه طَرْدًا وعَكْسًا ولم يَتفقّهوا مُراده أيضًا، فإِنَّ هذا التعريفَ ليس للمِصْر بل للمِصْر الجامع.

وحاصله أنّ المِصْر الجامع هو الذي يَكْثُر أهله بحيث لا تَسَعُهم مساجدهم فَيَحتاجون إلى بناء مسجدٍ يَسَعُهم، وهو الذي بناه صاحب «العناية» فقال: قال ابن شجاع: أَحْسَنُ ما قيل فيه إذا كان أهلها بحيث لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يَسَعْهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجدٍ آخر للجمعة، وهذا الاحْتِياج غالبٌ عند اجتماع من عليه الجمعة اهـ. فَفَكِّر في لفظ حتى احتاجوا الخ فإِنَّه ليس عند عامّتهم مع أنّه لا يحتاج إليه إلاّ أنّه يُفيدُك في تحصيل المراد. ويُستفاد منه ما قلنا من أنّ الحدّ المذكور فيمن وجبت عليهم الجمعة فاحتاجوا إلى بناء مسجد، لا فيمن لم تجِب عليه الجمعة بعدُوهم بِصَدَد إقامتها فجعلوا يُقدِّرون مساجدهم هل تسعُهم أو


(١) عن سفيان الثوري: المصْرُ الجامع ما يَعُدُّه النّاس مِصْرا عند ذِكْر الأمْصار المطلقة، كذا في البدائع. وبالجملة الحدود كلُّها رُسومٌ على اصطلاح أهل العقول فهي إذن بالعَوارِض، وتلك تَتَبَدَّل بحسب الأدوار والأعصار، فَلَزِم أن يختلِف تعريفُ المِصْر أيضًا، وليس من قَبيل الحدود المَنْطِقِية لِتَطرِد وتَنعكِس في الأزمان كلها، والله تعالى أعلم بالصّواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>