للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: والظاهر أنها بعد العصر والموعودة هي هي، وفيها خُلِق آدم عليه السلام. وفي الأحاديث في فَضْل الجمعة أنه خُلِق فيها آدمُ. ولما كان الفَضْلُ فيها من جهة خَلْق آدم عليه السلام، ناسب أن تكون تلك الساعةُ هي ساعةَ خَلْقِهِ فإن قيل: لما كانت تلك الساعةُ لأجل يوم الجمعة، والبركةُ فيها من جهة الصلاة، فينبغي أن تكون متقدمةً عليها أو معها، لا بعدها. فإن المقصود مُتأخِّر.

قلتُ: بل هي كالوقوفِ تُقَدَّم على طواف الزيارة، مع أن المقصود هو هذا الطواف. وعند أبي داود: «أن ابتغوا تلك الساعةَ في آخِر ساعاتِ العصر». وحَسَّنه المُنْذري، وعلَّله الحافظ رحمه الله تعالى. وَقَدْ أَجَبْتُ عنه. وفيها مذاكرة بين عبد الله بن سَلام وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ذكَرَها الترمذي وابن ماجه. وفيها قال عبد الله بن سَلام: هي بعد العصر إلى أن تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: «فكيف تكون بعد العَصْرِ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يوافِقُها عبدٌ مُسلم وهو يصلِّي، وتلك الساعةُ لا يُصلَّى فيها؟ فقال عبدُ الله بن سلام: «أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «مَنْ جَلَس مجلِسًا ينتظرُ الصلاةَ فهو في الصلاة». قال: بلى. قال: «فهو ذاك» (١).

وعُلم منه أن عبدَ الله بن سلام أجابه بنوع تأويل، وحَمَل قوله: «وهو يُصَلِّي» على انتظار الصلاة، فإنه الصلاةُ حُكْمًا. ويُتَوهَّم من ابن ماجه أن هذا التفسير مرفوعٌ، والصواب أنَّه مُدْرج، فلا تَغْفُل وقد تنحَّيت عنه. وعندي معنى قوله: «وهو قائم يُصلِّي» وهو ثابتُ القدم في صلاته حيث يداومُ ويحافظ عليها. فذلك الوَعْدُ لِمَنْ كان يصلِّي الصلاة والجُمُعات، ويقومُ بِحَقِّها لا لِمَنْ تغافَل عنها وجعلها وراءَ ظهره، حتى إذا حضرتِ الجمعةُ وأدركَ تلك الساعةَ طَمِع في أن يَحْصُل له ذلك الأَجْرُ. ثُمَّ رأيتُ نحوه عن كَعْب الأحبار عند «شارح الإحياء» وفي التوراة أن تلك الساعةَ بعد العَصْر. وهو الصَّواب عندي.

٩٣٥ - قوله: (وأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا). ولذا قلتُ: إن حديثَ أبي داود يَدُلُّ على التأخير الشديد في صلاةِ العَصْر.

٣٨ - باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنِ الإِمَامِ فِى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَصَلَاةُ الإِمَامِ وَمَنْ بَقِىَ جَائِزَةٌ

٩٣٦ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّى مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِىَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا). أطرافه ٢٠٥٨، ٢٠٦٤، ٤٨٩٩ - تحفة ٢٢٣٩


(١) قلتُ: وهذا يفيدُنا في الأوقاتِ المكروهة حيث قال أبو هريرة رضي الله عنه: وتلك الساعةُ لا يُصلَّى فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>