للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القاري، وصاحب «الكنز» في المُسْتَصفى، وكذلك في عبارة الكَرْخي، و «مراقي الفلاح». فلا يُؤخذ بما في «فتح القدير»، ففيه إيهامٌ شديدٌ بعدَم جواز الصِّفات غير ما اختارها أصحابُ المتون، وكذا إيهامٌ في «فتح الباري» في «المغازي». والصَّواب أنها جائزةٌ كلُّها عند الكلِّ. كيف وقد صَحَّت الأَحاديثُ في كلها، فلا سبيل إلا بالتزام الجواز. نعم يجري الكلام في الترجيح. فالصِّفَةُ المشهورة في متون الحنفية: أنَّ الإمامُ يُصلِّي بالطائفة الأُولى ركعةً، وتذهبُ تلك وِجَاه العَدُو، وتجيء الطائفةُ التي لم تصلِّ بعدُ وتصلِّي خَلْفَه ركعةً. ثُمَّ يُسلِّم الإمامُ وتمضي هذه وِجاه العَدُو، وترجِعُ الأُولى وتركع ركعةً أُخرى، كالمسبوق وتُسَلّم، وتذهب إلى مكانِ الطائفة الثانية. وتجيءُ تلك وتُتِمُّ صلاتَها كاللاحق، وتركع ركعةً ثُمَّ تُسَلِّم. هذه صفتُها في عامّة متوننا، وهي أحسن الصفات باعتبار بقاء ترتيبِ الصلاة. ففيها فراغُ الإِمام قبل المُقْتدي دون العكس، وفيها فراغُ الطائفة الأولى أولا والثانيةِ ثانيًا كما يقتضيه الترتيب، إلا أنَّ فيها قُصورًا أيضًا، وهو كَثْرةُ الإياب والذهاب، وهذا مَشْيٌ في الصلاة دونَ الصلاةِ مَاشِيًا، فإن الصلاة ماشيًا لا تجوز عندنا.

ولنا صفةٌ أخرى في الشروح، وليس فيها ذلك المحذور، وهي: أن الطائفة الثانية بعدما صلَّت ركعةً مع الإمام تُتِمَّ صلاتَها في مكانها وتُسَلِّمُ، ثُمَّ ترجِع الأُوْلى وتُتِم صلاتَها، فَقَلَّ فيها المشيُ أيضًا وإن لزِم فراغُ الثانية قبل الأولى.

أما الشافعية فاختاروا أن الإمام يصلِّي بطائفةٍ ركعةً، ثم يقوم الإِمام ويُتِمُّون هؤلاء لأنفسِهم ويذهبون إلى العدو، وينتظرُ الإمام الطائفةَ الأخرى حتى إذا جاءت صلَّى بهم ركعةً، ويسلِّم. وتقومُ تلك الطائفةُ وتُتِم لأنفسِهم. وقال المالكية: إن الإمام بعد الركعةِ الأخرى ينتظرُ القومَ في القعدة، حتى إذا أدركوه في القَعدة يُسَلِّم بهم.

وهذه الصفة وإن كانت أحسنَ بحسبِ قِلَّة المشي لكن فيها قَلْبُ موضوع الإمامة، فإنَّ الطائفةَ الأُولى فَرَغت قبل الإِمام، وفيها أنا لإمام ينتظرُ للطائفة الثانية، وللتسليم أيضًا عند المالكية، وإذا أشدُّ على الحنفية من كَثْرة المشي، ولعلَّ الشافعية رحمهم الله تعالى رَجَّحوها لضعف رابطة القدوة عندهم، فلم يَرَوا في ذلك الاختلال بأسًا، وهي قويةٌ عندنا فرأنيا كَثْرَةَ المشي أهونَ.

الفائدة الثانية: في النظر في الآية، وما يترشح منها من صفة الصلاة، وذِكْر بعض الاعتبارات المناسبة: قد تكلموا في الآية، هل تثبت منها صفةُ صلاتِنا أم صفةُ صلاتِهم؟ فتكلم من الشافعية البيضاويُّ، ومن الحنفية صاحبُ «المدارك»، والشيخُ الآلوسي، وهذا الشيخ قابل «مقامات الحريري» بكتاب سمَّاه «المقامات الخيالية» لكنه لم يُطبع. والذي عندي أن الآية لا


= المحدِّثون، حتى إِن الحافظ ابنَ تيمية رحمه الله تعالى أيضًا يعتمد على نقله. وقد ذكر في شأنِ أبي محمد الإسفِراييني الشافعي أنه من الكبار، ولولا ذلك لما أثنى عليه القُدوري، فدل على كونِ القدوري أَكبرَ في عينيه أيضًا، كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>