للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ». فَقَامَ خَالِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّىَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». أطرافه ٩٥١، ٩٥٥، ٩٦٥، ٩٧٦، ٩٨٣، ٥٥٤٥، ٥٥٥٦، ٥٥٥٧، ٥٥٦٠، ٥٥٦٣، ٦٦٧٣ تحفة ١٧٦٩

واعلم أن السُّنة في العيد أن تُصَلَّى عَقِيْبَ خروجِ وَقْت الكراهة، فإنْ قضيَتْ في أول يوم فلا قضاء لها عند الإِمام رحمه الله تعالى، إلا عِنْد صاحبيه رحمهما لله تعالى، فإنها تجوز في اليوم الثاني أيضًا. وراجع التفصيل في الفقه. وفي نسخة: «التكبير» بدل «التبكير».

والتكبير سنةٌ جهرًا للأضحى، وللفِطْر سِرًّا عند ابن الهمام رحمه الله تعالى. ومنع منه «صاحبُ البحر» أصلا.

قال الشيخ ابنُ الهُمَام رحمه الله تعالى: إن التكبيرَ ذِكْرُ الله، كيف يُنْهى عنه فهو في الأحوال كلِّها. وقال ابن نُجَيم رحمه الله تعالى: إنَّ حقيقة البدعة هي - هو يعني - جَعْلُ أَمْرٍ لم يثبت عن السلف رحمهم الله تعالى معمولا به.

قلتُ: والقويُّ ما ذهب إليه ابنُ الهُمام، فقد أخرج الطحاوي رحمه الله تعالى رواياتٍ تَدُلُّ على ثبوتِ التكبير عند السَّلف، بل على الجَهْر أيضًا، فالمختار عندي أن يأتي به في الفِطْر أيضًا.

١١ - باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِى أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.

واعلم أن العبادة في تلك العشرة أفضلُ منها في سائر السَّنَة، حتى قيل: إن أفضلَ النُّهُرِ نُهُر عشرةٍ ذي الحِجَّة، وأفضلَ الليالي ليالي رمضانَ، ثُمَّ عَمَلُ السَّلَف في تلك العشرة ماذاكان؟ فلم يظهَر لي غيرُ الصيام والتكبير. فالعبادةُ الخاصَّة في هذه الأيام هي هاتان فقط. وثبت فيها التكبيرُ من غُرَّة ذي الحِجة، كأنه شِعَارٌ لهذه الأيام، بل شعاريتُهُ أَزْيدُ من التلبية. فما في المتونِ فهو بيانٌ للواجب لا لوظيفةِ هذه الأيام. وعليه فَلْيُحْمَل ما رُوي عن الإِمام رحمه الله تعالى أَن شرائطَ التكبير شرائطُ الجمعة. فإنه يجوزُ لأصحاب القرى أيضًا.

وذِكْرُ اللَّهِ لا حَجْر عنه بحال، واستدل عليه بما روي عن عليَ رضي الله تعالى عنه: «ولا جُمْعَةَ ولا تَشْرِيق» ... إلخ.

وتتبَّعْتُ أنه هل أرادَ أَحَدٌ من التشريقِ أيضًا؟ فرأيت في «غريب الحديث» لأبي عبيد أنه لم يَبْلُغْه عن أحدٍ منهم غيرُ الإمام رحمه الله تعالى. وأبو عبيد هذا تلميذُ الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ومستفيدٌ من مُحمدٍ، ومدوِّن لِعِلْم غريب الحديث، ويُعَدَّ في الفِقْه مِثْل محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>