للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي «المُدَونة» من قِيام رمضان: أَنَّ آخِرَ ما صلَّى بها الوِتْر بعد التراويح ثلاثُ ركعاتٍ، وعند الطحاوي: أنَّ عمرَ بن عبد العزيز أَثْبَتَ الوِتْر بالمدينة بقولِ الفقهاءِ ثلاثًا لا يُسلِّم إلا في آخِرِهنَّ. وعنده عن أبي الزِّنَادِ عن السبعة: سعيد بن المسيَّب، وعروةَ بن الزُّبير، والقاسم بن محمد، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وخارجةً بنِ زيد، وعبيد الله بن عبد الله، وسُلَيمان بن يَسَار، في مشيخةٍ سواهم أَهلَ فِقْهٍ وصلاحٍ وفضلٍ، وربمااختلفوا في الشيء، فأخذ بقول أَكثرِهم وأفضلِهم رأيًا، فكان مِمَّا وَعَيْت عنهم على هذه الصفة: أن الوِتْر ثلاثٌ لا يُسلَم في آخَرِهنَّ ... إلخ. وفيه عبدُ الرحمن بن أبي الزِّناد، وفيه لَيِّن.

قلتُ: وعَلَّق عنه البخاري في الاستسقاء.

٩٩٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى». أطرافه ٤٧٢، ٤٧٣، ٩٩٣، ٩٩٥، ١١٣٧ - تحفة ٨٣٤٦، ٧٢٢٥

٩٩٠ - قوله: (صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى). واعلم أنه قد تكلَّمنا عليه مرةً في: بابِ الحِلَق في المساجد، والآن سُنِح لنا أن نعود إليه ثانيًا مع إفادات جديدةٍ تركناها مِنْ قبل. فاعلم أَنَّ أَخْذَ المَثْنى في التعبير ليس لنكتةٍ فيها، بل التدرُّج من الأقل - إذا لَمْ يُدْر أنه كم يُصلَّى - طريقٌ فطري أو هو لِدَفْع مضرةٍ في ذِكْر غيره من العدد. فإنه لو قال: صلاةُ الليل أربعٌ، لانحصرت صلاةُ الليل فيه، لكونِ هذا العددِ أقلَّ من الأكثر، وأكثرَ من الأقلّ، فلا بد للتخصيص من نكتةٍ، وحينئذٍ تبادر إلى الذِّهن اختصاصُ صلاةِ الليل به، ولانحصر الوِتْر في الخَمْس، وقد مرَّ تقريره.

فإن قلت: إنَّ المثنويةَ إذا قامت بالسلام ثَبَتَ أنها ثلاثُ ركعاتٍ بتسليمتين. فترجَّح ما ذهبوا إليه ولا سيما إذا كان هذا الحديثُ قوليًا، وخلافُهُ إِنْ ثَبَتَ فإنه فِعْلِيُّ، والقولي مقدَّم.

قلتُ: إما ترجيحُ القولِ على الفعل فلكون القولِ تشريعًا عامًا والفعل واقعةً جزئيةً غيرَ معلومةِ الحال على الأَغْلَب، والأَمرُ ههنا بِالعْكْس. فإن فِعْلَه صلى الله عليه وسلّم ههنا مدّةَ عُمره على الوَصْل كما يرويه مَنْ رأَى وِتْرَه الدهر كلَّه. وهي عائشة رضي الله عنها، ومَنْ كَان ذهب لرؤية وِتره وهو ابن عباس رضي الله عنه، لا يحكي إلا أنها ثلاث بسلامٍ واحدٍ في آخِرِهنَّ. وأمَّا القول فَهو مُبْهَم يحتمل الوّجُوهَ ولا يقولُ عاقلٌ بترجيح هذا النحو من الفِعْل على مِثْل هذا القول.

ثم اعلم أَنَّ كلَّ أَمْرٍ حُمِل على خصوصيته صلى الله عليه وسلّم لا بد أن يكونَ أفضلَ وأَحْرَى في باب العبادات، فإنَّ اختصاصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لا يكون إلا بما هو أَفْضَلُ، كالوصالِ وغيرهِ، بخلاف نحوِ الاستقبالِ والاستدبارِ. فإِنَّا لو حملناه على الخصوصيةِ لا يكون دليلا على أفضليتِهِ، بل يجوزُ أن يكون استقبالُهُ صلى الله عليه وسلّم لكونِهِ أَشرفَ في نفسه من الكعبة، فانتفَتْ عِلَّة الكراهة وهي الاستهانة.

على أنه قد مر معنا أَنَّ مسألةَ صلاة الليل فيه تمهيدي. والمَسُوق له بيانُ نَضَد الوِتْر بصلاة الليل، وأنه كيف يجعلُهَا آخِرًا؟ فهداه أنه يَجْعَلُهَا آخِرًا بأن يَضُمَّ معها واحدةً في الآخِر، فيصيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>