للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مكسوبة، فهي فعلُ القلب قطعًا، وعينُ الإيمان، إلا أن الأوضحَ حينئذٍ أن يقول: وإن الإيمان فعل القلب، لأنه أدلُ على مراده، ولكنه يتفنَنُ في أداء المقصود، فتارة، وتارة. وهو المراد بما نُقل عن إمامنا رضي الله تعالى عنه في «الإحياء»: أن الإيمان معرفة، وهكذا رُوِي عن أحمد رضي الله تعالى عنه أيضًا، إلا أنه إذا نُقل عن الإمام الهُمام رحمه الله تعالى جعلوا يُنكرونَ عليه، وإذا جاء عن أحمد رحمه الله تعالى مروا به كِرَامًا.

*أصم عن الشيء الذي لا أريده ... وأسمع خلق اللَّه حين أريد

وقد مر نُبذة من الكلام عند تحقيقِ محل الإيمان، وإن الأولى أن يقول المصنف رحمه الله تعالى: وإن الإيمانَ فعلُ القلب، فراجعه. وقد يتخايل أنه أراد منه الردَ على المعتزلة، فإنهم قائلون: بأن المعرفةَ أولُ الواجبات، ثم الإيمان كما مر، فالمصنفُ يردُّ عليهم بأن المعرفة هي فعلُ القلب، فتكون عينَ الإيمان، فهي الواجبُ الأول، لا أن المعرفةَ أمرٌ وراءَ الإيمان، لتكون أولَ الواجبات هي، ثم يكون الإيمانُ بعده واجبًا آخر.

{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وتقريرُ الاستشهاد على كون المعرفةِ فعلُ القلب، بأن فيها إسنادُ الكسب إلى القلب، فكما أن الكسبَ فعلٌ، كذلك المعرفةُ أيضًا من فعله ومكسوباتِهِ، فمن اعترض عليه بأن الآية في الأيمان لا في الإيمان فهو غافل عن طريقته في الاستدلال.

٢٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا». تحفة ١٧٠٧٤ - ١٢/ ١

٢٠ - (أمرهم من الأعمال بما يطيقون) وهو طريق الحكيم، أي التشديدُ على نفسه، والتيسير على غيره، وهو طريق الأنبياء.

(يا رسول اللَّه) ولم أر صيغة الصلاة في كلامهم عند الخطاب، نعم في الغَيْبَة، وهكذا ينبغي أن يُقتفى آثارهم عند القراءة، فلا يَتَلَفظُ بها في مواضع الخطاب، وهو الرسمُ في الكتاب.

{قد غفر الله لك} ... إلخ وجوَّزَ الأشاعرةُ (١) وقوعَ الصغائرِ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل النبوة وبعدها، سهوًا بل عمدًا أيضًا، ونفاها الماتُرِيْديةُ مطلقًا. والجواب عن الآية


(١) قال في عقيدة السفاريني قال الحافظ زين الدين العراقي: النبي - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من تعمدِ الذنب بعد النبوة بالإجماع، وإنما اختلفوا في جواز وقوعِ الصغيرة سهوًا، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، والقاضي عياض، واختاره تقي الدين السبكي، قالَ: وهو الذي نَدِينُ اللهَ به. انتهى مختصرًا. وقال العلامة التفتازاني: وفي عصمتهم من سائر الذنوب تفصيل، وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع، وكذا عن تعمُّدِ الكبائر عند الجمهور، خلافًا للحَشَوِية وأما سهوًا فجوز الأكثرون. قال: وأما الصغائر فيجوزُ عمدًا عند الجمهور، ويجوزُ سهوًا بالاتفاق إلا ما يدل على الخساسة هذا كله بعد الوحي، قال: وأما قبلَه فلا دليل على امتناعِ صدور الكبيرة. انتهى مختصرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>