للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عمران لا يَصْدُق على الفريضةِ ولا على التطوع. فإنَّا إنْ حملناه على الفريضةِ لَمْ يَصِحَّ أَوَّلُ الحديثِ: «إنْ صلّى قائمًا فهو أَفْضَلُ»، لأنَّ القيامَ فَرْضٌ فيها، وإنْ حَمَلناه على التطوع لَم يَصِحَّ آخِرهُ، لأنَّ التطوُّعَ لا يجوز نائمًا عند أحدٍ إلا ما في «الغاية» عن الشيخ شمس الدين: أَنَّها تجوزُ مُضْطَّجِعَا أيضًا في قول، وقال ابن الهُمام رحمه الله تعالى: لا أعرف قولا بجواز النافلة مضطجعًا عن أحد من أصحابنا، وكذا قوله: «وَمَنْ صلَّى قاعدًا» ... إلخ، لا يأتي على المكتوبةِ ولا على التطوُّع، فإنه إنْ أخذناه بلا عُذْرٍ لم يصدق في حَقِّ المكتوبة لأن المكتوبة قاعدًا بدون لاعُذر لا تصح مطلقًا فلا أحر فيها أصلا وإن أخذناه مع العُذْر لا يستقيمُ عليه تَنْصِيفُ الأَجْر. فالجواب أن الحديثَ وَرَد في مسألة التنْصِيف فقط. وأَما مسائلُ جوازِ القعود والقيام فتبقى على ما مَهدها الشَّرْعُ، ويبقى معها عُمومٌ وخصوصٌ من وَجْه.

ثُمَّ اعلم أن التنْصِيف في الحديث ليس باعتبار قيام الأَصِحَّاء، بل باعتبارِ قيام المَعْذُورين وقعودِهم. وقد صَرَّح ابنُ الهُمَام (١) رحمه الله تعالى: أن العَجْز على نَحْوين: حقيقي، وحُكْمي. والأول أن يَتَعَذَّر عليه القِيَامُ ولا يُمكَّنُ منه أصلا، والحُكْمِي أن يُرَخِّص له الشَّرْعُ بالقعود، مع أنه لو تَكَلَّفَ على نَفْسِهِ أُمْكِن له القيامُ أيضًا، فهذا القاعدُ المعذورُ إن صلَّى قاعدًا فله نِصْفُ أَجْرِ قيامه لو تكلَّفَ وصلَّى قائمًا، لا نِصْف أَجْرِ الصحيح، فإنَّ قعودَه إذا كان بالعُذْر فهو كقيامِ الصحيح.

١١١٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا». أطرافه ٦٨٨، ١٢٣٦، ٥٦٥٨ - تحفة ١٧١٥٦ - ٥٩/ ٢

١١١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا وَقَالَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ،


(١) قال الطحاوي رحمه الله تعالى في "مُشْكِله" (٢/ ٢٨٢): إن الحديثَ محمول على المُصَلِّي تطوّعًا قاعدًا وهو يُطيق أن يصلي قائمًا، فيكون له بذلك نِصْفُ ما يكونُ له لو صَلَّى قائمًا، وليس هو على صلاتِه قاعدًا وهو لا يُطِيقُ القيامَ، وذلك صلاتُهُ قاعدًا فيما يُكْتَب له من الثوابِ بها كصلاتِه إيَّاها قائمًا، لأنه ههنا قد قصد إلى القيام وقَصَّر به عنه، فاستحق من الثوابِ ما يستحقُّه لو صلَّاهَا قائمًا، فكان إذا كان يطيقُ القيامَ فصلى قاعدًا قد ترك القيام اختيارًا، فلم يكتب له ثوابُ المصلِّي قائمًا، وكُتِب له ثوابُ المصلِّي قاعدًا على صلاتِهِ لذلك. اهـ.
ويؤيدُهُ ما أخرج مالك في "موطئه" (ص ٤٨) عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص أنه قال: "لما قَدِمنا المدينة نَالَنَا وباءٌ من وَعْكِهَا شديدٌ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناسِ وهم يُصلُّون في سُبْحَتِهم قُعودا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ القاعدِ مِثْلُ نِصْفِ صلاةِ القائم". ونحوه عند أحمد في "مسنده" كما أخرجه الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>