فالشفاعة سبب من أسباب رحمة الله عبادَهُ، وأحق الناس برحمته تعالى الذين صفا توحيدهم لله، وتنامى إخلاصهم في طاعته. وكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص (لا إله إلا الله) علماً، وعقيدة، وعملاً، وبراءة، وموالاة، ومعاداة، كان أحق بالرحمة. وسبب الشفاعة إذاً: توحيد الله، وإخلاص الدين لله، والانكباب على العبادة بأنواعها، فمن الله مبدؤها، وعلى الله تعالى تمامها، كلا يشفع أحد إلا بإذنه، وهو الذي يأذن للشافع، وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له أو لهم. فليس في الشفاعة تراجع عن إرادة أرادها الله تعالى، لأجل الشافع، وإنما هي إظهار لكرامة الشافع بتنفيذ الإرادة الأزلية عقيب دعاء الشافع- انظر أحاديث الباب- وليس فيها أيضاً ما يقوي غرور المغرورين الذين يتهاونون بأوامر الدين، ويتساهلون بنواهيه اعتماداً على شفاعة الشافعين، بل فيها أن الأمر كله لله وأنه لا ينفع أحداً في الآخرة إلا طاعة الله ورضاه {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}؟!، وانظر فتح الباري ١١/ ٤١٩ - ٤٤٤.