للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشار أيضًا إلى أن من أخذ سلمًا على تمر ونيته أن يقضيه من تمر عنده لم يزه، فإنه لا ينهى عن ذلك؛ ولا يكون بنيته هذه كبائع تمر قبل الزهوّ. فكذلك لا يكون من اشترى طعامًا ثم عقد على نفسه بيع طعام ينوي أن يقضيه من هذا الذي اشتراه، فإنه لا يكون بهذه النية بائعًا له قبل قبضه.

واحتجاجه ها هنا يكون المطلوب بالطعام يباح له أن يشتري طعامًا ينوي أن يقضيه فيما عليه من طعام، فإنه لا يلزم؛ لأنه ها هنا يضطر إلى هذه النية إذا طلب بطعام وجب عليه أداؤه وهو لا يملكه، فإنه لو نهي ها هنا عن هذه النية لكان كالمنهي عن أن يقضي شيئًا ترتب عليه، وهذا لا يصح النهي عنه، بل ورد الشرع بالأمر بقضاء الحقوق. وأيضًا فإن هذا إنما نوى أن يقضي، والقضاء ليس بعقد بيع، ومن اشترى طعامًا فلم يكتله حتى عقد على نفسه بيع طعام آخر، فإنه في مندوحة عن هذا العقد وغير مضطر إليه. وأيضًا فإنه يتصور فيه أنهما تعاقدا في الباطن على أن مرادهما بالعقد على طعام غير معين هذا الطعامُ المعينُ، فيكون أبطن بيعه قبل قبضه، والبيع ها هنا بخلاف القضاء لطعام وجب عليه.

وأمّا ما أشار إليه من الاحتجاج بالثمرة التي لم تزه، وكون من أخذ سلمًا على ثمر ونيته أن يقضيه من ثمر عنده لم تزه، فإنه لا يمنع من ذلك، ولا يقدّر بهذه النية أنه باع الثمرة قبل زهوّها، فإن هذا أيضًا قد ينفصل عنه بأن ما في الذمة من الثمن جنس نوع مخالف لما في شجره من بلح أو طلع فلم ينو القضاء من النوع الذي هو آت.

(ولو مات رجل، ما عليه من الثمن لم يدفع فيه هذا البلح الذي كان حين العقد، ومن اشترى طعامًا ثم باع طعامًا في ذمته ونوى أن يقضيه من الطعام الذي اشتراه، فإنما اشتراه ما يقتضيه مثلان، ولرجل عليه في ذمته من الطعام ويدفع الطعام الذي كان في ملكه وقت العقد على ما في ذمته وهذا الذي صار في ذمته) (١) وقد كنا قدمنا في تعليل النهي عن ربح ما لم يضمن أن ما كان في


(١) هكذا في جميع النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>