للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طريقة المذهب، واحتجوا بما ذكرناه عن كتاب ابن المواز من اختلاف قول مالك في الشاة الكسير إذا بيعت باللحم، ولو كانت صحيحة مِمّا يبقى لم يختلف قوله في تحريم بيعها باللحم، فاقتضى ذلك أن التحريم فيما يبقى آكد منه في مثل هذه التي هي كسير وشارف.

والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:

أما الظواهر الواردة في هذا فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١) وقوله {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢) فإن قلنا: إنه يتصور الربا في بيع شاة بلحم من جنسها صار قوله تعالى: "وحرم الربا" يخصَّص بقوله: "وأحل الله البيع" وإن قلنا: لا يتصور في هذا الربا لكون الحي الذي يبقى كالعروض، ولجواز بيع شاة بشاتين ولا يقدر ذلك من الربا الممنوع، واحتجنا إلى تخصيص هذا العموم إما بأثر وإما بقياس: فأما الأثر فإن مالكًا روى في الموطأ عن زيد بن أسلم عن سعيد ابن المسيب "أن النبي عليه السلام نهى عن بيع الحيوان باللحم" (٣) وذكر مالك أيضًا عن داود بن الحصين أن ابن المسيب قال: ذلك مَيْسِر الجاهلية (٤)؛ ورواية غير مالك: ذلك ربا الجاهلية وذكر عن أبي الزناد أنه قال: كان من أدركت من الناس ينهون عن ذلك، ويكتب في عهود العمال كأبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل (٥)، فإن قيل: هذا الحديث مرسل؛ لأن ابن المسيب تابعي لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلنا: أبو حنيفة يقول بالمراسيل، فهذا الحديث حجة عليه على أصله، وإن كان مرسلًا. لكنه يبقى ها هنانظر آخر وهو تخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، وذلك فيه خلاف بين أهل الأصول، فإن لم يقل بالمراسيل،


(١) سورة البقرة، الآية ٢٧٥.
(٢) سورة النساء، الآية ٢٩.
(٣) الموطأ: باب بيع الحيوان ج: ٢ ص ١٨٣ حد ١٩١٢.
(٤) الموطأ: باب بيع الحيوان ج ٢ ص ١٨٤. حد ١٩١٣.
(٥) الموطأ: باب بيع الحيوان ج ٢ ص ١٨٤. حد. ١٩١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>