للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البيع الثاني. وهو فسخ الشيء في أكثر منه. وأنكر ذلك عليهم سبحانه بقوله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١) وأخبرهم أنه أحل لهم هذا وحرم عليهم هذا، فانصرف الألف والسلام إلى ما تقدم ذكره مما أخبر الباري سبحانه به عنهم. ويؤكد هؤلاء هذا التأويل بقوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٢) وبيع شيء بأكثر منه نقدًا لا يتصور فيه {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٢) وإنما يتصور فيمن فسخ دينه في أكثر منه يقال له: ذَرْ ما يُبْرِئك في الذمة من زيادة اشترطتها عوض التأخير. فإذا ذهبنا إلى أن الربا ينطلق على الزيادة في نفس الشيء وعلى الزيادة فيما يقابله، وقلنا: إن العموم إذا خرج على سبب ويقدّر دخول الجاهلية وجب أن يُقضى بحكم اللفظ في العموم لا بحكم تخصيص السبب، صح الرد على داود على هذا المذهب، ولعل ابنه إنما ذهب إلى ما حكيناه عنه في حقيقة اسم الربا، فسُدّ باب الاحتجاج على ابنه بهذه الآية. وقد ذكرنا مذهب ابن سريج ورأيته اتفصل عن هذا التعلق بقوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٢) فإنه قد يكون ما بيع متفاضلًا نقدًا لم يقبض العوض الذي فيه الزيادة، فيتصور أن يقال {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٢) بمعنى: لا تقبضوا الزيادة، وسمّوا (٣) العقد الفاسد. ومن الناس من ذهب إلى أن التسمية تنطلق على كل بيع محرم، وأُضيف هذا المذهب إلى عائشة رضي الله عنها لأجل قولها: لما أنزلت آية الربا قام النبي عليه السلام فحرم التجارة في الخمر (٤). وهذا منه إشارة إلى أن بيع الخمر لما كان محرمًا كان ربًا، فلهذا حرمت عقيب نزول آية الربا.

وأُضيف أيضًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأجل قوله: إن من الربا بيع الثمر وهي معصية (٥) قبل أن تطيب. فأطلق على بيع الثمر قبل الزهو اسم الربا


(١) سورة البقرة، الآية ٢٧٦.
(٢) سورة البقرة، الآية ٢٧٨.
(٣) في ش: ويتمّ.
(٤) المزي: تحفة الأشراف. ١١/ ٧٣٦ حد. ١٧٦٣٦.
(٥) هكذا في جميع النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>