للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسقط عنه، عادت المسئلة إلى الأصل الممنوع، وهو دفع قليل في كثير. وهذا إن تحقّق فيه صورة الفسخ الثّانية لأجل أنّا غرمنا قابض السلعة قيمتها، فإن إبطال ما زاد على القيمة عن المشتري إذا حلّ الأجل، يقتضي أيضًا فسخ العقد الأوّل. لكن أصحاب هذه الطّريقة رأوا أنّ السلعة لمّا قبضها المشتري الآخر الّذي هو البائع الأوّل وجب في مقتضى القياس أن لا تنزع من يده، لأنهما إن لم يبطنا فسادًا، فالبيعة الأولى والثّانية صحيحتان، ولا معنى لفسخ العقد الصحيح.

وإن أبطنا فسادًا وقصدا دفع قليل في كثير، فلا بيع بينهما، فيجب أن تبقى السلعة في يد بائعها الأوّل كأنّه لم يبعها. ولهذا مال بعض أشياخي إلى اختيار إبقائها (١) في يده مع قيام السلعة، فإذا فاتت وكانت القيمة الّتي تلزمه أقلّ مِمّا باع به وأغرمناه إيّاها، صار ما زاد عليها من الثّمن المؤجّل إذا أسقطناه ذهبت علة الفساد وارتفع ما صوّرناه من التّهمة، فكان إصلاح العقد بإذهاب هذه الزّيادة خاصة، ويبقى العقد على ما هو عليه أولى من التعرّض إلى فسخ العقدين. لكنّا إذا سلكنا هذا المسلك، فأغرمنا البائع قيمة السلعة وهي خمسة دراهم، ولم تعد عليه هذه الخمسة دراهم إلاّ بعد أجل، صار مظلومًا بإسقاط حقّه بالزّيادة، فقدّم هؤلاء حقّ الله تعالى في إصلاح هذا العقد بإسقاط الزّيادة على حقّ المشتري الآخر في إسقاط ما استحقّه من زيادة بحكم الثّمن. وتكاد هذه المسئلة تلاحظ بياعات الشّروط. وفيها الخلاف المشهور: هل يصحّ البيع بإسقاط الشرط، وإن كان فيه حقّ لمشترطه تقدمة لحقّ الله سبحانه على حقّ هذا المشترط أو يفسد العقد كلّه، إذ لا يتبعّض العقد الواحد؟ وهكذا يعتلّ من خص الفسخ بالبيعة الثانية بأنّها هي الّتي أدخلت الفساد وأوقعت التّهمة، فإذا فسخناها خاصة ارتفعت الشّبهة من العقد الأوّل. أو يقال: إنّ المنع مبنيّ على أنهما قصدا دفع قليل عن كثير، ولا يتصوّر ها هنا إلاّ بارتباط أحد العقدين بالآخر، وإذا ارتبط أحدهما بالآخر، صارا في معنى العقد الواحد، والعقد الواحد لا يتبعّض، بل يفسخ جميعه. فهذه النّكتة الّتي يدور عليها هذا الخلاف


(١) في النسختين: إلغائها. والنص يقتضي ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>