للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتصير الزّيادة الّتي زادها على قيمته عوض السلف، والسلف بزيادة ممنوع.

وسلك بعض أشياخي في وجه المنع مسلكًا آخر، فقال: قد تقرّر أن الرّبا ممنوع، والبيع إذا قارنه سلف يوقع في الرِّبا الممنوع إمّا ربا النّسا وإمّا ربا الفضل. ويتصوّر هذا بأنّ من باع عبدًا بمائة دينار على أن أسلف المشتري خمسين دينارًا فأخذها إلى سنة، فإنّه قد أخرج من يده عبدًا ومعه خمسون دينارًا، ويأخذ عوضًا عن ذلك ما يدفعه المشتري من الثّمن نقدًا وما يدفعه عند قضاء السلف، فيحصل في هذا ربا النّسا، وربا الفضل إذا قدّرنا اختلاف مقدار ما يقع من المقابلة بين الذهبين لاختلاف التّقويم في السلعة على حسب ما تقدّم في أحكام الرّبا لمّا تكلّمنا على وجه المنع من بيع سلعة وذهب بذهب. وعلى هذا الأسلوب يتصوّر لك الرّبا إذا كان السلف دراهم، أو كان طعامًا يحرم فيه الرّبا. وإن كان طعامًا لا يحرم فيه الرّبا، تصوّر فيه ربا النّسا، لكن لو كان ما لا ربا فيه لا في النّقد ولا في النّسا، لكان هذا يمنع عندنا على أصلنا في منع بيع ثوب نقدا بثوبين من جنسه إلى أجل. لأنّا نرى أنّ التّماثل ها هنا يجعل الزّيادة عوض السلف، فإذا باع منه عبدًا بمائة دينار على أن أسلفه ثوبًا، فإنّه يتصوّر ها هنا ربا النّسا في مقابلة الثّوب بالثّوب على حسب ما قدّمناه في كتاب السلم. وذكرنا هناك أنّ الشّافعي لا يمنع من سلم ثوب في ثوبين مثله. ولا يقدّر في أمثال هذه العروض ربا النّسا. فهو لا يمنع مثل هذا على مقتضى أصله، ونحن نمنعه لأجل ما استدللنا به فيما تقدّم على منع سلم ثوب في ثوبين ولعموم الخبر أنّه نهى عليه السلام عن البيع والسلف (١).

والجواب عن السؤال الثّاني أن يقال: قد ذكرنا في كتابنا المُعلِم اختلاف من تقدّم من الأئمّة في بيع وشرط. وذكرنا الحكاية الّتي رويت عنهم في هذا وما احتجّ به كلّ واحد لمذهبه (٢).


(١) تقدم تخريجه قريبًا.
(٢) المعلم: ٢: ٢٠٨ من باب الشروط في البيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>