للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الطّريقة في كون هذا العقد بيعًا هي المعروفة من المذهب. وحكي عن الشّيخ أبي الحسن القابسي، رضي الله عنه، أنّه أجرى ذلك مجرى الرّهان، واعتذر عنه بعض المتأخّرين بأنّه لمّا كثر عند أهل إفريقيّة، الّتي كان ساكنًا بها، القصدُ في هذا إلى إحكام الإرتهان بأن يقول أحد الرّجلين للآخر: أسلفني كذا، وأعطيك جناني تغتلّ منه ما أسلفتني (١)، فمتى جئتُ بما أسلفتني أخذتُ جناني. وهذا يتّضح فيه إجراء ذلك على أحكام الرّهان إذا علم أنّ قصد المتعاقدين على ذلك الارتهان لا التّبايع. وهكذا ذكر ابن شبلون، رحمه الله، أنّه مال إلى طريقة الشّيخ أبي الحسن رحمه الله. لكن نقل غير هؤلاء عن الشيخ أبي الحسن أنه فصّل القول في ذلك، فرأى أنّ هذا إذا ضرب فيه أجل، فإنّ هذا الحكمُ فيه أن يكون المبيع على هذه الصفة يجري مجرى الرّهان قبل الأجل في الضّمان والغلّة، ومجرى البياعات الفاسدة بعد ذهاب الأجل. وذكر الشّيخ أبو بكر بن عبد الرّحمان رحمه الله، أنّه قال للشّيخ أبي الحسن، كالمنكر عليه هذا التّفصيل: إنّ الرّواية في هذا أن الحكم لا يختلف، ضرب لذلك أجل أو لم يضرب، فكيف خالف (٢) الرّواية؟ فقال معتذرًا عن ذلك: لابن حبيب في هذا شيء. يشير إلى موافقة ابن حبيب له في هذه الطريقة. وقد رأى بعض المتأخّرين أنّ هذا التّفصيل يشير إليه ذكره في كتاب الرّهن في المدوّنة فيمن ارتهن رهنا واستدان عليه دينًا إلى أجل على أنّ الرّاهن إن لم يأت بالدّين عند حلول الأجل فإنّ الرّهن يكون لقابضه بما ارتهن فيه. وقد ذكر في المدوّنة أنّه قبل الأجل يجري مجرى الرّهان، وبعد الأجل يجري مجرى البيوع الفاسدة (٣). ومن المتأخّرين من منع من استقراء ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن من هذه المسئلة، وقال: فإنّ البائع سلعته، على أنّه متى جاء بالثّمن ارتجعها، أخرجها من ملكه، وشرط رجوعها إلى ملكه بأمر يفعله وهو إتيانه بالثّمن، فغلبت فيها أحكام


(١) كذا, ولعل الأوْلى: بما أسلفتني.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: خالفتَ.
(٣) المدونة ج ٤/ ص ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>