للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصحاب الشّافعي يعكسون هذا التّأويل ويرون أنّ المراد بالإقالة ها هنا الفسخ، الّذي جعله له الشّرع ما دام في المجلس. والمراد بالحديث نهي أحدهما عن أن يفرّ من صاحبه مخافة أن يفسخ البيع عليه. فهؤلاء حملوا لفظ الإقالة ها هنا على الفسخ. والآخرون حملوا لفظ الفسخ على الإقالة، كما حكيناه عنهم. فيفتقر ها هنا إلى الموازنة بين هذين التأويلين، أيّهما أرجح وأظهر في مقتضى السياق وحكم اللّغة، ويصار إليه؟ وهكذا ما قدّمناه من التّأويلات الأُخر، فتفتقر إلى الموازنة فيها بحسب ما ذكرناه. فقد قال أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة للشّافعيّة: أنتم أثبتم الخيار في المجلس بعد أن وقع التبايع وانقضى. وتسمية من كان باع: بائعًا، مجازًا (١). كما دافعتمونا عن تأويلنا بأنّ تسمية المتساومين: متبايعين، مجازًا (١). فقال أصحاب الشّافعي: تجوّزنا نحن من جهة واحدة، وتجوّزتم أنتم من جهات. وكلّما قلّ المجاز وقرب من الحقيقة، كان أولى. فهذه النكتة، التي نبّهناك إليها ترجح هذه المذاهب والتّأويلات، وهي الّتي تحكَم في هذه المذاهب والتأويلات. وقد أشرنا إليك بما عندنا في ذلك وإلى ما ينحصر الأمر إليه فيها. وبالجملة فالنّصوص في أعيان الحوادث لا تُدَافَع بعمومات فيها احتمال. والتّأويلات الّتي يَسبق إلى النّفس خلافها ويقع فيها تعسف واستكراه لا ينبغي يعدل (٢) إليها، ويترك ما هو السابق إلى اللهم من الكلام والأظهر فيه في حكم اللّغة. وقد استقصينا تتبّع ما قيل في هذا الخبر.

وأمّا مسلك القياس والنّظر، فإنّ أصحاب الشّافعي يرون أنّ الشّرع إنّما أباح التّجارات لما فيها من الأرباح والفوائد، وهي المقصود منها. والغبن فيها محاذر مجتنب. وكثير ما يقع من الإنسان إمضاء وعزم من غير رويّة وإمعان في الفكرة، ثمّ يثوب إليه أنّه غلط فيندم. فوسّع الشّرع هذا المضيق، بأن جعل


(١) هكذا في النسختين، ونصب (مجازًا) ممكن على ضرب من التأويل بعيد.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: أن يعدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>