للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلب أيسر من السباع. وإنما ذلك بقدر الحاجة إليه ومشقة التحرز عن مخالطته. وقال أيضًا كل كلب لم يؤذن في اتخاذه، نجس. وهذا لأنه لا تمس الحاجة إليه فلم يعف عنه. وساوى في الماء بين البدوي والحضري لعدم المضرة بطرحه. وأما مطرف ففرق بين القليل والكثير على ما ذكرناه لمشقة طرح الكثير، وخفة طرح اليسير، أو لأن الكثير يحمل النجاسة بخلاف اليسير. فاحتج من ذهب إلى طهارته بقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. (١) ولم يأمره بغسل ما باشره بفمه. وبأنه عليه السلام علل طهارة الهر بالتطواف علينا وهذه علة يشاركها الكلب فيها فكان حكمه حكمها.

واحتج من ذهب إلى نجاسته بأنه عليه السلام أمر بإراقة سؤره. وظاهر هذا أنه لنجاسته. وقد أجيبوا عن هذا بأنه لاستقذاره أمر بذلك. واحتجوا بأنه قال في بعض طرق الحديث: طهور إناء أحدكم (٢). ولفظة طهور تدل على نجاسة تطهير. وأجيبوا عن هذا بما قدمنا في أول الكتاب من أصل الطهارة الخلوص من الأدناس. ومنه قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٣). فالمراد بالحديث خلوص الإناء من أن يستقذر وتعافه النفس. واحتجوا أيضًا بأنه عليه السلام نهى عن ثمنه. وتحريم الثمن إنما يكون لأحد ثلاثة أقسام: أما لعدم المنفعة كالخشاش، والكلب بخلاف ذلك. لأنه ينتفع به. وأما لحرمته كالحرة وأم الولد. والكلب لا حرمة له. وأما للنجاسة فكالميتة والدم. والكلب كذلك. وأجيبوا عن ذلك بأن النهي على جهة التنزيه، والأخذ بالأرفع في الهمة ككسب الحجام وشبهه. وقد تقابلتا (٤) هذه الأدلة عند بعض أصحابنا فألحق الكلب بالمشكوك في حكمه. فقال من لم يجد سؤر الكلب جمع بينه وبين التيمم.


(١) سورة المائدة، الآية: ٤.
(٢) روى مسلم بسنده إلى أبي هريرة -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب- وفي رواية محمَّد بن رافع عدم ذكر الترتيب.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ٥٥.
(٤) تعارضت -ق-.

<<  <  ج: ص:  >  >>