للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للمحيل عليه، فصار إعراضه عن الإشهاد كالتفريط منه، كمتلفٍ مالًا بتفريطه.

قال: ولو كان المحال عليه غائبًا، فلما قدم جحد الدين، لكان للمحال أن يرجع على الحميل (١) ها هنا؛ لأنه لم يمكنه الإشهاد على من عليه الدين لغيبته، فيعَدّ كأنه أتلف حقّه بتفريطه في الإشهاد.

وعندي أن النظر يقتضي فيما قاله هذا الشيخ تفصيلًا.

فإن كان الغالب في الديون الإشهاد عليها، فإنما يترك ذلك نادرًا، وقال المحال لما جحد المحالُ عليه وقد كان حاضرًا مقرًا حين الحوالة: إنما لم أشهد عليه لثقتي بأن المحيل قد كان أشهد عليه على ما تقتضيه العادة، فلما كتمني أنه لم يشهد عليه، صار ذلك كالتغرير منه والتدليس عليَّ، فوجب في الرجوع عليه، كما وجب لي إذا علم فقر المحال عليه وكتمه عني، كما قدمناه. وأما إطلاقه القول بأن الحوالة إذا كانت على غائب فقد يجحد الدين كان للمحال أن يرجع على المحيل، فإن ذلك صحيح بشرط أن يكون المحال لم يصدّق المحيل في كونه يستحق دينًا على الغائب المحال عليه. وأما لو صدقه في ذلك وقبل الحوالة وهو يعلم أَلاّ بيّنة على الغائب، فإنه ينظر في هذا هل يكون أبرأه المحيل (٢) وعلمُه، بأن المحيل يستحق الدين الذي أحاله عليه، يمنعه الرجوع ويصير الجحود كجائحة طرأت عليه لا رجوع له بها على المحيل. وقد اختلف المذهب الاختلاف المشهور في رجل أتى لمن عنده وديعة لإنسان فقال له:

أرْسَلَني مَن أودعك إيّاها لأقبضك منها (٣)، فصدّقه فيما ذكر، ودفع ذلك إليه، فلما قدم صاحب الوديعة أنكر أن يكون أرسل أحدًا ليقبضها، وحكم على دافعها بغرامتها، فهل له أن يستردّها ممن قبضها منه، ويكون إنما صدقه بشرط أن يأتي صاحب الوديعة فيصدق الرسول فيسترد منه ما أعطاه، أو يكون تصديقه


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: المحيل.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: إبراء للمحيل.
(٣) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: لأقبضها منك.

<<  <  ج: ص:  >  >>