للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن التهمة في كتمان البلوغ قد تتطرق أيضًا في أبناء المسلمين مخافة من إقامة الحدود إليهم (١) وإلحاق العقوبات بهم.

وأمّا الخلاف المطلق في كونه علمًا في أبناء المسلمين وأبناء المشركين، أو كونه ليس بعلم فيهم، فإن من يراه علمًا يعتمد على ما ورد في الخبر من كونه - صلى الله عليه وسلم - لما حكّم سعدًا في بني قريظة فنزلوا على حكمه، فحكم فيهم بأن يقتل منهم من أثبت فصؤبه - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر أنه حكم فيهم بحكم الله سبحانه وجعل جريان الموسى علمًا على البلوغ (٢).

ومن لم ير ذلك علمًا فإنه يستند أيضًا إلى ظواهر الشرع من قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} (٣). وقوله عليه السلام: "رفع عن أمتي ثلاث" (٤) فذكر الصبي حتى يحتلم. فإثبات ما سوى ذلك علمًا يفتقر إلى دليل لا إشك الذيه. والإنبات لا يكون علمًا في العادات لِأنّا نراه يختلف في بني آدم، فمنهم من يتأخر نبات شعره، ومنهم من يعجل ذلك عليهم. فلو جعل نبات الشعر دليلًا كان نبات اللحية أولى، ونباتها يختلف في الناس. وأيضًا فإن ذلك يختلف باختلاف الأمزجة، فينبت الشعر مسرعًا في مزاج ويتأخر في مزاج آخر كما يختلف بالغلظ والرقة واللون بحسب الأمزجة أيضًا.

وأمّا كون السنّ علمًا على البلوغ، فإنه يكون دليلًا على الجملة باتفاق، ولكن تقديره كثر الخلاف فيه. ألا ترى أن من ذهب من عمره الثلاثون سنة أو أكثر منها لا يشك عاقل في بلوغه المبلغ الذي يتعلق به التكليف؟ كما أن من لم يذهب من عمره إلا السبع سنين أو العشرة لا يشك عاقل في كونه لم يبلغ مبلغ التكليف، ويبقى بين هذين الطرفين وسائط يقع فيها


(١) هكذ ا، والصواب: عليهم.
(٢) الروض الأنف: ٢٨٨:٦ - ٢٩٠.
(٣) النور: ٥٩.
(٤) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>